رأى المخرج السينمائي السوري محمد ملص في حوار إذاعي مطلع هذه السنة التي تشارف على الانتهاء أن السؤال حول التوجه «إذا ما كنت موالياً أو معارضاً هو قمة الجهل والارتزاق». ورأى أن السؤال يجب أن يكون منصباً على مدى حرية المثقف في التعبير عن رأيه. ربما لم يكن متاحاً أمام أحد التعبير بهذا الوضوح عن رأي لا يتفق لا مع سينمائيي الداخل، ولا مع سينمائيي الخارج، عند بداية نشوب الأزمة السورية. اليوم صار ذلك ممكناً، وربما صار مجدياً أكثر لقول شيء مختلف في سياق هذه الأزمة المديدة، بعد أن طرح الطرفان المتحاربان (سينمائياً) كل ما لديهما من أقوال وأفكار سينمائية، فالخطوط كلها صارت واضحة، ومعالم الأزمة التي تفتك بالجميع صارت أشد وضوحاً من ضوء النهار، وإن بدا أن سينمائيي الداخل أمكنهم أن يستعيدوا الكثير من زمام المبادرة إنتاجياً على الأقل، مع إدراك الجهات المسؤولة عن هذه المبادرة أن السينما سلاح فعال لقول شيء مهم حتى إن بدا ضئيلاً، إلا أنه يعبد الطريق أمام مراكمة مجدية في خطابه، وهذا ما تجدده الكتابات المعارضة وتحذر منه في نوعية الأفلام التي تنتج في الداخل السوري، وليست أزمة فيلم «مطر حمص» على سبيل المثال للمخرج جود سعيد في دورة مهرجان قرطاج الأخير، وانسحاب «مواطنه» المخرج سامر عجوري مع فيلمه «الولد والبحر» من المهرجان، إلا نوعاً من هذا الإشكال الذي سبق وتعرضت له أفلام «الداخل» التي وصلت في بداية الأزمة إلى بعض المهرجانات وتم تعليق مشاركاتها، كنوع من الاحتجاج على ما يقوم به النظام. صورة مختلفة اليوم باتت الصورة مختلفة قليلاً عما كانت عليه بالأمس، فقد تراجع الإنتاج (السينمائي) في الخارج وصارت الأفلام القادرة على إثبات وجودها قليلة وتعد على أصابع اليد الواحدة. ومن كان يُراهَن على وجودهم لتقديم صورة سينمائية مخالفة، لم يقدموا شيئاً يذكر، باستثناء تجميع مواد فيلمية مصورة من طريق الاستعانة بمصورين ميدانيين والعمل على إعادة تركيبها في المنافي. وقد تمكن المخرج فراس فياض من إنجاز فيلم «الرجل الأخير في حلب» وكذا ظهر «الآباء والبنون» لطلال ديركي و «طعم الإسمنت» لعماد كلثوم الذي فاز بجائزة في مهرجان دبي الأخير، وصوّر في لبنان. فيما نال الفوز طنجور جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان مالمو 2017 عن فيلمه «ذاكرة باللون الخاكي»، ويظل طنجور المخرج الأكثر تساوقاً والتصاقاً بمشروعه السينمائي، إذ يمتاز بذاكرة سينمائية بصرية خصبة دفعته لانتاج أكثر من شريط متماسك منذ بدء الأزمة، ويجيء فيلمه الأخير ليكمل ما بدأه، إذ يناقش قضية الملابس العسكرية المدرسية في سنوات حكم البعث. على صعيد سينما الداخل، يواصل المخرج جود سعيد تصوير فيلمه «مسافرو الحرب» وهو استمرار لمشروعه الذي بدأه مع فيلم «بانتظار الخريف»، كذلك شارك باسل الخطيب بفيلمه «الأب» في مهرجان الاسكندرية السينمائي الأخير مع المخرج أحمد ابراهيم أحمد، الذي أنجز أيضاً شريط «ما ورد» عن رواية لمحمود عبدالواحد، وصرح بأن خط تنظيم داعش في الفيلم لم يكن موجوداً في السيناريو، أو الرواية، ولكنه أقحم بطلب من المؤسسة العامة للسينما التي «تريد تسليط الضوء على جرائم التنظيم الإرهابي في سورية». كذلك أطلقت العروض التجارية أخيراً في الصالات المحلية لفيلم عبداللطيف عبدالحميد «طريق النحل»، من دون أن يُعرف إن كانت له مشاركات في المهرجانات السينمائية حول العالم، فلم يعلن عن ذلك. إلى هذا، يواصل أيمن زيدان تصوير فيلمه الروائي الطويل الأول «أمينة»، بعد أن أعلن عن وفاته أكثر من مرة، وتم تكذيب الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي. وحصل محمد عبدالعزيز في مهرجان روتردام للفيلم العربي الأخير على جائزة أفضل فيلم متكامل عن فيلمه «حرائق». فيما أنجز غسان شميط فيلماً وثائقياً عن اللاجئين والمهجرين بعنوان «حكايا من مراكز الإيواء». كذلك أنجز المهند كلثوم فيلم «على سطح دمشق»، وحصد المخرج الشاب عمرو علي جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجاني مالمو وروتردام عن فيلمه «غيبوبة». وبرز في نتاجات منح الشباب التي تقدمها مؤسسة السينما السورية فيلم «رغبات» للمخرجة الشابة زهرة البودي الذي حصد جائزة أفضل سيناريو في مهرجان سينما الشباب هذا العام.