أعربت أوساط قريبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو عن ارتياحه لنتائج القمة التي جمعته في نيويورك أول من أمس بالرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وأكد رئيس الطاقم الإعلامي في مكتب رئيس الحكومة نير حيفتس أن مردّ الارتياح هو أن مواقف نتانياهو في شأن تقليص حجم النشاط الاستيطاني وإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة لقيت القبول لدى الأميركيين. ورحب شركاء نتانياهو في الائتلاف الحكومي بنتائج القمة وفسروها على أنها ضوء أخضر لمواصلة البناء في المستوطنات في موازاة استئناف الاتصالات السياسية مع الفلسطينيين، فيما أبرزت وسائل الإعلام العبرية «التراجعات» في مواقف الرئيس الأميركي وقارنت بين كلامه أول من أمس وتصريحاته في أيار (مايو) الماضي عند لقائه الأول بنتانياهو ثم في خطابه في القاهرة. واستغرب حيفتس عناوين صحف إسرائيلية تحدثت عن «قمة البرد» و«قمة التوبيخ» من الرئيس الأميركي لنتانياهو وعباس، وأن «صبر الرئيس الأميركي إلى نفاد». وقال للإذاعة العسكرية معقباً إن الشعور لدى نتانياهو وحاشيته «مغاير تماماً»، وإن الرئيس أوباما أثنى على الخطوات الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية باتجاه الفلسطينيين في كل ما يتعلق بإزالة حواجز في الضفة الغربية. وأضاف أن «نتانياهو مرتاح جداً إزاء حقيقة أن موقفه القائل بإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة لقي القبول لدى الأميركيين». وتابع أن استخدام كلمة «ضبط» وليس «تجميد» في ما يتعلق بالاستيطان يتناغم عملياً مع موقف نتانياهو القائل ب «تقليص حجم البناء» ومع إصراره في الآن ذاته على إتاحة حياة طبيعية لنحو ربع مليون مستوطن في الضفة الغربية (البناء بداعي التكاثر الطبيعي)، «ورأينا أن هذا الموقف لقي القبول، وعليه لا مكان للحديث عن أجواء اللقاء، فالجوهر في الموقف، وهذا أهم من درجة حرارة اللقاء». نتانياهو يشدد على يهودية إسرائيل وفي نيويورك، كرر نتانياهو مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي. واعتبر عدم الاعتراف «الحاجز الأكبر في طريق السلام». وأكد في الوقت ذاته عدم استعداده لوقف البناء في المستوطنات بداعي أن ربع مليون مستوطن في حاجة إلى رياض أطفال ومدارس وعيادات. وأضاف في تصريحات إلى وسائل إعلام أميركية: «أعتقد أنه ينبغي محاولة إيجاد التوازن بين حاجات المستوطنين وبين رغبتنا في إعادة تحريك المفاوضات». وكان نتانياهو قال للصحافيين بعد القمة الثلاثية: «ثمة اتفاق عام يضم الفلسطينيين بأن عملية السلام يجب أن تستأنف في أسرع وقت ممكن من دون شروط مسبقة». ورداً على سؤال عما إذا كان يعتبر نتائج القمة انتصاراً له، قال: «لم يكن هناك غالب ولا مغلوب... استئناف المفاوضات سيكون في مصلحة جميع الأطراف». إلى ذلك، أضاف نتانياهو أن إسرائيل «لن توقع أبداً على اتفاق سلام مع حركة حماس التي تسعى إلى إبادة إسرائيل... وغزة لن تكون جزءاً من أي اتفاق بيننا وبين الفلسطينيين طالما بقيت في السلطة. لن نقبل بحماس شريكة في أي مفاوضات». ارتياح أقطاب اليمين المتشدد وأبدى أركان الجناح الايديولوجي في معسكر اليمين الذي يتشكل منه الائتلاف الحكومي ارتياحاً كبيراً لنتائج «قمة نيويورك». واعتبروا أن نتانياهو «وفّر البضاعة» بعدم خضوعه للضغوط أو الالتزام بوقف البناء في المستوطنات. وأشارت وسائل الإعلام العبرية إلى أن نتانياهو سيعود إلى إسرائيل ليجد «ائتلافاً أكثر متانة واستقراراً يدعم مواقفه» بعد أن عززت تصريحاته في نيويورك مكانته الداخلية. كما أشارت إلى حقيقة أن قادة المستوطنين فككوا خيمة الاحتجاج قبالة مكتب نتانياهو في القدس بعد أن اطمأنوا إلى «صموده في وجه الضغوط الأميركية». وقال رئيس طاقم ردود الفعل في حزب «ليكود» الحاكم أوفير أكونيس إن «القمة أثبتت أن البناء في المستوطنات في الضفة الغربية سيتواصل في موازاة المفاوضات السياسية». وأضاف أن المجتمع الدولي «يحترم أكثر حكومة قوية تحرص على المصالح الإسرائيلية». ورأى أن الكرة الآن في الملعب الفلسطيني «ليثبتوا رغبتهم الحقيقية في تحقيق السلام بعد أن مدت لهم إسرائيل يدها للسلام». واعتبر النائب داني دانون المحسوب على أكثر تيارات «ليكود» تشدداً، أن القمة «تثبت للرئيس الأميركي أن الكاريزما وحدها لا تحقق السلام»، مضيفاً أن الرئيس الفلسطيني «ليس شريكاً جدياً للمفاوضات قادراً على التوصل إلى سلام مع إسرائيل». وتابع: «يحظر على نتانياهو أن يسمح لأحد بأن يرغمه على أمور غير مقبولة... وأرجو أن تضع القمة حداً للفيلم الهوليوودي الذي يعيش فيه أوباما». وتوقع الوزير بيني بيغين الفشل المسبق لأي مفاوضات مع الفلسطينيين «الذين يرفضون الاعتراف بوجود إسرائيل كدولة يهودية»، كما حمل زعيم «شاس» نائب رئيس الحكومة ايلي يشاي الفلسطينيين «مسؤولية فشل المفاوضات لتمسكهم بمواقف ضارة». كذلك، لقي نتانياهو الدعم من حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان الذي شارك في لقاء نيويورك وأعلن أمس أنه يشعر بالارتياح «لمجرد عقد اللقاء وأن يُستأنف حوار بلا شروط مسبقة» واعتبره انتصاراً لموقفهم من وقف الاستيطان. وأضاف إلى الإذاعة الإسرائيلية العامة أن «المهم هو أن تحترم الحكومة الاسرائيلية تعهداتها تجاه الناخبين (بمواصلة البناء في المستوطنات) وأن لا ترضخ للضغوط». وكرر رفضه اشتراط استئناف المفاوضات بتجميد الاستيطان اليهودي، وقال إن الفلسطينيين «لم يضعوا أبداً مثل هذا الشرط خلال 16 عاماً من المحادثات». وتوقع أن يكون التفاوض «طويلاً ومعقداً ولا ينبغي انتظار نتائجه مع ساعة توقيت في اليد». وكان ليبرمان قال متهكماً قبل أسابيع إن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لم تسفر عن نتائج خلال 16 عاماً ولن تحقق نتائج خلال الأعوام ال 16 المقبلة، وأضاف أمس أنه «يمكن التوصل في أفضل الحالات إلى تسوية موقتة»، مشيراً إلى أن «عشرات النزاعات مستمرة في العالم من دون اتفاق (نهائي) على تسويتها». المعارضة تعتبرها «قمة تعيسة» في المقابل، اتهم نواب من المعارضة رئيس الحكومة بأن جل همه هو الحفاظ على الوضع القائم وعدم التقدم في المسيرة التفاوضية. وحذر القطب في حزب «كديما» وزير المال السابق روني بارؤون من «أن تدفع إسرائيل ثمن التلاعب والعجرفة مع الولاياتالمتحدة». وقال الزعيم السابق لحزب «ميرتس» اليساري يوسي بيلين إنه لا يذكر «قمة تعيسة وبائسة كقمة نيويورك». وأضاف أن الزعماء الثلاثة ظهروا «كمن تقمصهم الشيطان وقاموا بعمل رغماً عنهم... من ناحية الرئيس الأميركي يوبخهما ومن أخرى لا يقول ماذا يريد منهما تحديداً باستثناء تكرار لازمة رؤية (الرئيس الأميركي السابق جورج) بوش وغيرها من الأفكار». واعتبر الوزير العمالي السابق عمير بيرتس اللقاء «مخيباً للآمال». وقال إن المشاركين الثلاثة بحثوا عن كيفية اجتياز هذا اليوم بسلام والتقاط صورة جيدة، «إننا ندخل فترة جمود ونضعف القيادة الفلسطينية المعتدلة». ووصف النائب العمالي أوفير بينيس القمة ب «المهزلة». وهاجم زعيم حزبه وزير الدفاع إيهود باراك على مشاركته في «المشهد المخجل» واتهمه بأنه ونتانياهو يماطلان لكسب الوقت «ولن يغفر التاريخ لهما تضييع فرصة مهمة لدفع عملية السلام قدماً». «تراجع أوباما» وكانت وسائل الإعلام العبرية أبرزت «التراجعات» في مواقف الرئيس الأميركي وقارنت بين كلامه أول من أمس وتصريحاته في أيار (مايو) الماضي عند لقائه الأول بنتانياهو ثم في خطابه في القاهرة. وأشارت إلى أن الرئيس أوباما لم يطالب أول من أمس بوقف تام للاستيطان إنما ب «ضبطه»، ولم يكرر مطلب «تدشين عملية تفاوضية» إنما تحدث عن «استئناف المفاوضات»، ولم يأت على ذكر مطلب وجوب وضع جدول زمني ملزم لإنهاء المفاوضات، كما لم يذكر مطلب وقف البناء في مستوطنات القدسالمحتلة، ولم يتناول مسألة التطبيع بين العالم العربي وإسرائيل. وقال كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع إنه لا يذكر خلال السنوات ال 16 لتغطيته لقاءات قمة أميركية - فلسطينية - إسرائيلية «لقاء فارغاً كلقاء نيويورك الأخير». وأضاف تعقيباً على ما قاله له موظف أميركي كبير عن ان الرئيس أوباما دعا نتانياهو وعباس إلى القمة لتوبيخهما، أن الشعور في حاشية نتانياهو مغاير تماماً «إذ تشعر أنها تلقت الثناء من الأميركيين». وتابع: «سألت نتانياهو عن أجواء اللقاء فقال إنها كانت جيدة... إنه مقتنع بأن الفلسطينيين يدركون الآن أنه يجدر بهم عدم رهن المفاوضات بتجميد البناء في المستوطنات. مطلب التجميد مات. بدل التجميد يتحدث نتانياهو عن لجم البناء، ويقول إن ثمة فارقاً كبيراً بين كلمتي تجميد ولجم». وتابع المعلق إن نتانياهو لم يخف ارتياحه لحقيقة أن أوباما عدل عن التجميد من دون أن يطلب مقابلاً من إسرائيل، «ونتانياهو لم يكن على علم مسبق بالتغيير».