ظل أبو محمد لمدة شهرين يتفرج على زوجته «أم محمد»، وهي تذبل أمام عينيه، بسبب إصابتها بالسرطان. شهران وهو ينتظر من يقف إلى جانبه، ليتمكن من علاجها، حتى أتى أمر من مكتب أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز يفيد بصدور أمر بعلاج زوجته في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، كما وصلهم اتصال آخر من المستشفى الذي كانت زوجته الراحلة تراجع فيه، يفيدهم بوصول العلاج الذي ظلت تنتظره لأكثر من شهرين. تأخر بدء علاج الحالة المرضية، بسبب بيروقراطية الإجراءات للتحويل حال بينها وبين استكمال علاج أم محمد في المكان الذي تمنت، فتم إيقاف العلاج الكيماوي عنها، لعدم وجود جدوى منه كما أخبر الأطباء ذويها، فظلت تستخدم الأدوية التلطيفية إلى أن انتقلت إلى جوار ربها. وليست قصة أم محمد وحدها هي القصة الوحيدة لمعاناة مرضى السرطان وذويهم وأقاربهم، الذين يقفون لجوارهم، لتظل معاناتهم مستمرة حتى بعد أن يفارقوا الحياة عندما يتذكرون كل لحظة ألم مرت بهم وعانوا بسببها. أم شهد التي رزقت قبل سنوات بمولودها البكر، كانت طفلة جميلة، إلا أنها ولدت مصابة بأحد سرطانات الدم (سرطان النخاع العظمي)، وبعد رحلة طويلة في المستشفيات شاء الله أن تشفى منه وتلتحق بالمدرسة بشكل طبيعي، لتسير حياتهم بكل صفاء ونقاء، اذ رزقوا بعدها بعدد من الأبناء والبنات الأصحاء. ما ان بلغت شهد عامها ال15 حتى عاد لها المرض من جديد بشكل مفاجئ وقوي، واستخدم الكيماوي لعلاجها أشهراً عدة، بعد ذلك اشتدت حالاتها أكثر وأكثر، قبل أن تجرى لها جراحة زرع نخاع عظمي من أحد إخوتها. وعلى رغم أن نتائج الجراحة اعتبرت «إيجابية» بداية، إلا أن الأيام لم تمهل الصغيرة، ففاضت روحها، تاركة بين ذويها ذكريات جميلة ومؤلمة، حتى من يعرفهم من الجيران والأقارب لا يزالون يذكرون معاناة شهد ورحلتها العلاجية كلما نطقوا «أم شهد» عند مناداة والدتها التي لا تزال تصر عل مناداتها بأم شهد حتى في وجود الأبناء الذكور لديها، وعلى رغم مضي أربعة أعوام على رحيلها. قصة مؤلمة أخرى ترويها ليلى الحربي عند حضورها لعزاء احدى قريباتها التي كانت تدرس في المرحلة الابتدائية، تقول الحربي: «عند دخولي إلى البيت وجدت المعزين كثراً، لكن ما لفت نظري وآلمني هو ما قام إخوتها الصغار بكتابته على الجدار، اذ كتبوا أسماءهم فلان وفلان وفلان، وبعد ذلك حرف الواو ثم تركوا فراغاً منقطاً، كإشارة لخلو المكان من اسم شقيقتهم التي فقدوها، ولن تعود لهم مرة أخرى»، مضيفة: «المرض والموت قضاء وقدر، لكن يظل الألم هو المعاناة الأكبر». وبخصوص العلاج ومدى المعاناة من أجل الحصول عليه، تروي أم فهد أن هناك أكثر من فرد في عائلتها أصيبوا بالمرض، ومنهم من شفي ومنهم من توفي، «لم يعانوا سوى من ألم المرض، أما من ناحية القبول في المستشفيات المتخصصة وعلى رأسها مستشفى الملك فيصل التخصصي فقد كان سريعاً».