لوّح المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر برد قوي على محاولات إثارة الفتنة الطائفية، محذراً من أن «تزايد نبرات الاحتقان بين نسيج الأمة... يهدد استقرار الوطن ولا يخدم إلا أهداف الأعداء»، فيما دعا رئيس الحكومة الانتقالية عصام شرف إلى «تكاتف الجميع لضمان الانتقال إلى نظام ديموقراطي يقوم على الشفافية ومحاربة الفساد، ويتيح لفئات الشعب كلها التعبير عن مطالبها المشروعة بصورة منظمة ومتفق عليها، ويضمن استجابة الحكومة لتلك المطالب». وتصاعد التوتر خلال الأيام الماضية في شكل غير مسبوق بين المنتمين إلى التيار السلفي والأقباط، وبلغ ذروته عندما حاصر مئات السلفيين الجمعة الماضي الكاتدرائية القبطية في حي العباسية (شرق القاهرة)، مطالبين بإطلاق سراح من يطلقون عليهن «الأسيرات المسلمات في الأديرة والكنائس». كذلك، ظهرت بوادر أزمة بين الأقباط والدولة عندما طلبت النيابة العامة من الكنيسة القبطية إحضار كاميليا شحاتة، وهي زوجة كاهن يقال إنها أسلمت ومحتجزة في أحد الأديرة، للمثول أمام محققي النيابة، ما رفضته دوائر قبطية. وقال المجلس العسكري في رسالة نشرها على صفحته في موقع «فايسبوك»، إنه «لاحظ في الآونة الأخيرة زيادة نبرات الاحتقان بين نسيج الأمة المصرية، وهو ما يهدد أمن واستقرار وطننا العزيز ولا يخدم إلا أهداف أعداء هذا الوطن الذين يسخرون كل إمكاناتهم في سبيل تحقيق أمانيهم بانهياره»، محذراً من أنه «لن يتوانى في اتخاذ أي إجراءات مهما كانت للحفاظ على وحدة النسيج الوطني المصري وعلى استقرار مصر». وأكد أنه «يتم بذل جميع الجهود اللازمة لإنهاء الخلافات الطائفية التي تتردد في الشارع المصري الآن، حفاظاً على الوطن»، مشيراً إلى أن «أبناء النيل تعايشوا على مدار آلاف السنين في نسيج واحد، لم يتمكن الأعداء على مر العصور من تمزيقه، وكان عصياً على كل محتل وغازٍ». يأتي هذا في وقت يتوجه رئيس الوزراء إلى محافظة قنا في الصعيد غداً، للبحث عن مخرج للأزمة المتفاقمة هناك على خلفية الرفض الشعبي لتعيين اللواء عماد شحاتة ميخائيل محافظاً. وعلم أن شرف سيزور قرية زرزارة حيث سيلتقي وفداً يضم شيوخ العشائر وممثلين عن المحتجين، قبل أن يتوجه إلى كنيسة نجع حمادي التي شهدت قبل عام هجوماً مسلحاً استهدف مصلين لدى خروجهم من قداس الميلاد، ما أدى إلى سقوط 6 قتلى. وأكدت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن شرف «سيطرح ثلاثة سيناريوات على أهالي قنا لحل أزمة المحافظ». وأوضحت أن «السيناريو الأول، وهو الأقرب إلى قلب الحكومة، يتم بمقتضاه تمديد تجميد عمل المحافظ إلى الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر العام، على أن يظل سكرتير عام المحافظة يؤدي مهمات المحافظ». أما السيناريو الثاني، فيقوم على تبديل المحافظين في 4 محافظات تشتعل فيها الاحتجاجات الرافضة لأسماء المحافظين المعينين، وهي قنا والدقهلية اللواء محمد محسن حفظي والمنيا اللواء سمير سلام والإسكندرية الدكتور عصام سالم، فيما السيناريو الثالث الذي تتحاشاه الحكومة يقوم على «تغيير المحافظ واستبداله بشخصية غير مرتبطة بالنظام السابق وتحظى بقبول شعبي». في غضون ذلك، نزل أكثر من 10 آلاف عامل أمس إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة للاحتفال بأول عيد لهم بعد سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك وللمطالبة بالعدالة الاجتماعية وبوضع حد أدنى جديد للأجور. واعتلى منصة أقيمت في الميدان ممثلون لاتحاد النقابات المستقلة الذي تكون حديثاً بعد اعتراف الحكومة بالحرية النقابية وبحق التعدد النقابي الذي كان محظوراً منذ 60 عاماً. ورفع العمال أعلاماً مصرية وليبية وسورية، إضافة إلى العلم الأحمر للحركات الشيوعية التي ظهرت إلى العلن بعد «ثورة 25 يناير». ورددوا هتافات تطالب بالعدالة الاجتماعية وبحد أدنى «معقول للأجور»، فيما كانت قوات الشرطة والجيش تراقب الموقف من بعيد وتسعى إلى تسهيل حركة المرور في الميدان. ووزع المتظاهرون بياناً موقعاً من 49 من المنظمات النقابية والأحزاب والحركات السياسية والمنظمات غير الحكومية يدعو إلى أن يكون الحد الأدنى للأجور 1500 جنيه (قرابة 250 دولاراً) شهرياً وحد أقصى للأجور كذلك لضمان «توزيع عادل للثروة» في البلاد. ودعا المتظاهرون إلى تجميد أرصدة النقابات التي كانت تابعة لنظام مبارك والتي يتهمونها بالفساد، كما شهدت التظاهرة إعلان ناشطين يساريين، بينهم القيادي في حركة «كفاية» كمال خليل، تأسيس «حزب العمال الديموقراطي»، إضافة إلى إعلان عدد من القيادات العمالية من محافظات مختلفة تأسيس نقابات مستقلة. وأصدر المجلس العسكري أمس بياناً هنأ فيه المصريين بعيد العمال، معرباً عن أمله «بعودة عجلة الإنتاج التي تتناسب مع مصر الثورة، وأن يمثل عيد العمال بداية لانطلاقة قوية لمصر، لتحقيق آمال وطموحات شعبها العظيم، وأن يكون إشارة قوية لعودة عجلة الإنتاج التي تتناسب مع مصر الثورة، وحتى تتمكن مصر من الانطلاق نحو غد مشرق بسواعد عمالها». ويأتي عيد العمال هذا العام مختلفاً عن سابقيه، إذ كان الرئيس المخلوع حسني مبارك معتاداً على إلقاء خطاب سنوي في هذه المناسبة، وكان عادة ما يغلبها الإعلان عن علاوة جديدة للعمال يعقبها غلاء أكبر في الأسعار. ووجه رئيس الحكومة كلمة أمس إلى المصريين لمناسبة الاحتفال بعيد العمال أكد فيها أن «الثورة قامت على ثلاثة مبادئ أساسية هي الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية»، مشيراً إلى أن «تلك المبادئ هي التي تحدد مسارنا اليوم نحو اقتصاد أكثر عدلاً وتكافؤاً لأن المصري يجب أن يعيش مرفوع الرأس». وقال في كلمته التي أذاعها التلفزيون الرسمي: «اليوم نحتفل بأول عيد عمال عقب نجاح ثورة 25 يناير، وكلنا أمل وثقة في تنفيذ المبادئ التي قامت عليها الثورة»، داعياً إلى «تكاتف الجميع شعباً وحكومة، في هذه المرحلة، لضمان الانتقال إلى نظام ديموقراطي يقوم على الشفافية ومحاربة الفساد، ويتيح لكل فئات الشعب بلا استثناء التعبير عن مطالبها الشرعية بصورة منظمة ومتفق عليها، ويضمن استجابة الحكومة لتلك المطالب». وشدد على أن حكومته «تعمل جاهدة من أجل إعادة بناء الاقتصاد المصري وتشجيع الاستثمار وزيادة فرص العمل، وهذا يتطلب التعاون والتكاتف لإعادة عجلة الإنتاج في القطاعات كافة بصورة طبيعية حتى نضمن خروج البلاد من تلك الظروف الاستثنائية التي تمر بها إلى مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا». وتطرق إلى الجولة الخليجية التي قام بها قبل أيام، مشيراً إلى إنه لمس لدى السعودية والكويت وقطر «رغبة كبيرة في زيادة الاستثمارات في مصر، ونحن نتوقع بالفعل زيادتها خلال الفترة المقبلة، والكل يحسدنا على العامل المصري وقدراته وكيف استطاع أن يبني مصر ويحمي الاقتصاد في جميع الظروف وبعضها كان أصعب من الظروف التي نمر بها الآن». وحدد أولويات عمل حكومته، «وفي مقدمها إصلاح منظومة الأجور بالكامل بكل جوانبها ووضع علاقة عادلة بين الحدين الأدنى والأقصى، تربط الإنتاجية والكفاءة بالأجر، وتأمين تحقيق سبل العيش الكريم للمواطن المصري، وإلى حين إعداد خريطة الطريق لإصلاح منظومة العمل والأجور والبدء في تنفيذها، سيستمر العمل بالعلاوة السنوية الخاصة لمواجهة غلاء المعيشة وبالتناسب مع معدلات التضخم». وتعهد «إطلاق الحريات النقابية من خلال قانون نقابي يكفل للعمال وأصحاب الأعمال الحرية النقابية بعيداً من سيطرة أي جهة إدارية، كذلك إطلاق برنامج جديد وطموح لتعظيم دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة في دفع النمو الاقتصادي بصفتها قاطرة مهمة وفعالة في التشغيل والتوظيف، وتوسيع مظلة التضامن الاجتماعي، والتعجيل بالوصول إلى صيغة متوازنة لنظام تأمين صحي شامل يخدم جميع أفراد الأسرة، والعمل على تنفيذ مشروعات إسكان منخفضة التكاليف وبجودة مناسبة للشباب وأصحاب الدخول المنخفضة». ووعد ب «الاهتمام بعدد من المشروعات القومية الكبرى ذات الأثر في التنمية والتشغيل واتباع أساليب التمويل المبتكرة حتى لا يتعطل تنفيذها بسبب محدودية الموارد». وأوضح أن «المشاريع الكبرى التي بدأنا فيها يجب أن يكون لها توجه للفائدة العامة... نحن نتكلم عن نمو، لكن يجب أن يتم وزنه بالعدالة الاجتماعية، وطبيعة المشاريع الكبيرة عندما يتم التخطيط من البداية أن نوفر أكبر عدد ممكن من فرص العمل وأفضل أجور ممكنة في ظل ظروف الأسعار الموجودة». وشدد على أن «هذه الإصلاحات كلها تتطلب تضافر جهود الشعب والحكومة لتنفيذها وهي أيضاً تلقي عبئاً كبيراً على القوى العاملة المصرية التي نتطلع إليها لقيادة هذا الجهد الكبير للخروج من الأزمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً». ووجه حديثه إلى العمال قائلاً: «يا عمال مصر. نحن نتطلع إليكم لزيادة الإنتاج الذي هو عصب الاقتصاد. والاقتصاد الجيد هو وسيلتنا لتحسين مستوى جودة الحياة ورفاهية شعبنا الكريم. لا تظنوا أننا نرفض أو نستنكر ما يسمى بالمطالبات الفئوية. هذا حق ونعلم تماماً أن الظروف صعبة ونعلم تماماً أنه يجب أن تكون الظروف أفضل وهذا نقدره تماماً، وأنه من العدل أن نحل المشاكل - أن نحلها للجميع - وليس لفئة من دون أخرى». لكنه طالب ب «أن تكون هذه الطلبات في وقتها المناسب وأن تصبروا علينا، وأن شاء الله ربنا يقدرنا ونحلها ونحققها». وأوضح أن «الحكومة لا بد من أن تعرف أن مؤشر رضانا هو رضاكم، ومؤشر سعادتنا هو سعادتكم، ومؤشر إحساسنا بالإنجاز هو أن تعبروا بأنكم راضون عن هذا، وهو الأمر الصعب في الظروف الراهنة، لكن محور تفكيرنا وتقويمنا لأنفسنا هو أن الشعب يريد تحقيق أشياء أفضل من هذا».