الأخطر من محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وزمرته هو الحكم القضائي الأخير برفع اسمه وقرينته من فوق المنشآت الحكومية استجابة لدعوى قضائية. اذا كان حرق مقر الحزب الوطني (المنحل) ابان «جمعة الغضب» هو الاعلان الرسمي عن النهاية السياسية لشرعية حكم مبارك حتى قبل تنحيه، فان الحكم القضائي الأخير هو تأكيد سياسي وأخلاقي وفكري بأفول عهده ونزع الشرعية منه، وربما يجاوز أهمية محاكمته القضائية المرتقبة. لا نلتفت كثيراً في النقد الثقافي العربي للدلالة الأيديولجية للتسمية في مجتمعاتنا. كل صراع انساني هو في جانب منه صراع حول من يملك اطلاق الأسماء، وبالتالي من يملك حق نزعها وإلغائها. في كتاب «الخروج الى النهار» والمعروف باسم «كتاب الموتى» يقال للمتوفى في أوان حسابه الأخروي: «انهض، لقد نوديت باسمك. انهض فأنت حي». الثقافة المصرية القديمة كانت تعتبر ان اللااسم علامة الإلغاء أو الموت، وان امتلاك الانسان لاسمه يماهي الوجود الحي. الروائي والأكاديمي الايطالي الشهير امبرتو ايكو يذهب الى المعنى نفسه فيقول في مقدمة روايته الرائعة «اسم الوردة»: «كل الأشياء تندثر ولا يبقى منها الا الأسماء». الصراع العربي - الصهيوني هو صراع على امتلاك الأسماء، وهو ما يظهر في القاموس العبري الذي يستخدم لإلغاء الأسماء العربية واستبدالها بأخرى عبرية كعملية أساسية لمسخ الذاكرة العربية من التاريخ والجغرافيا. القدس تصبح اورشليم، والضفة وغزة، يهودا والسامرا، والمقاومون يتحولون الى مخربين...الخ. عرفت مصر الناصرية مصيراً مشابهاً عندما استخدم السادات اسم بحيرة السد العالي عوضاً عن بحيرة ناصر واستاد القاهرة عوضاً عن استاد ناصر كأمثلة. ايديولوجيا التسمية ظهرت في عهد مبارك واضحة ليس فقط من خلال اطلاق اسمه واسم قرينته على مرافق ومشاريع عامة وانما تتجسد ايضاً فى اغتيال الاسم باقصائه وتجهيله كما حدث مع اسقاط اسم الفريق الراحل الشاذلي من بانوراما حرب اكتوبر صوتاً وصورة، او سحب قلادته واسقاطه من التكريم الرسمي في ذكرى الحرب سنوياً. اطلاق اسماء الرؤساء والزعماء المصريين على محطات مترو الانفاق مثال آخر على قوة الايديولوجيا التي تكمن في عملية التسمية: حظي مبارك باسم المحطة الرئيسة فى مسار المترو، في حين حظى السادات باسم المحطة الثانية في الأهمية في حين اطلقوا اسماء عبد الناصر ومحمد نجيب واحمد عرابي وسعد زغلول على محطات فرعية. الاستفتاء الاخير لموقع غوغل حول تسمية الخليج بالعربي أو الفارسي يصب في مسألة ايديولوجيا التسمية، وان كانت النتيجة ليست في صالح العرب حتى الآن للأسف. نمارس البعد الايديولوجي للاسماء كل يوم من دون ان ننتبه لهذا العمق. المسقبل العربي في اطار الثورات سيشهد صراع القوة حول الاسماء وهو حق مشروع للأقوياء والمنتصرين، وهم هنا الثوار أنفسهم. * أكاديمي مصري