جدّدت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي تهديد سورية بعقوبات جديدة، بعدما أخفقت دول مجلس الأمن في التوافق على بيان مشترك يدين القمع في سورية، وذلك بسبب معارضة الصين وروسيا ولبنان. وفيما دعت غالبية أعضاء المجلس الحكومة السورية إلى وقف العنف وقمع التظاهرات السلمية ومحاسبة المسؤولين عن أعمال القتل، يعقد ممثلو دول الاتحاد الأوروبي ال 27 اجتماعاً اليوم في بروكسيل لبحث احتمال فرض عقوبات على النظام السوري، كما يبحث مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم في جنيف التطورات في سورية في جلسة طارئة. وحصلت «الحياة» على مشروع قرار لمجلس حقوق الإنسان في شأن الوضع في سورية «يدين» بموجبه المجلس «بشدة عمليات القتل والاعتقال والتعذيب لمئات من المتظاهرين المسالمين على أيادي الحكومة السورية، وكذلك تعطيلها وصول الإغاثة الطبية». وبموجب مشروع القرار، يشدّد مجلس حقوق الإنسان على «الحاجة إلى التحقيق، كما هو مناسب، لمحاكمة المسؤولين عن الهجمات على المتظاهرين المسالمين، بما في ذلك قوات تقع تحت سيطرة الحكومة». كما يطالب الحكومة السورية بأن «تتحمّل مسؤولياتها لحماية المدنيين والتوقف الفوري عن جميع انتهاكات حقوق الإنسان، والكف عن مهاجمة المدنيين المتظاهرين، واحترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان»، و «الإطلاق الفوري لجميع سجناء الرأي والأفراد المعتقلين عشوائياً»، والتوقف «فوراً عن التخويف» وعن اعتقال الذين يدافعون عن حقوق الإنسان وعن الصحافيين، و «تأمين وصول منظمات حقوق الإنسان ومراقبي حقوق الإنسان» إلى سورية. ويدعو مشروع القرار إلى أن «تُشكل في شكل طارئ لجنة تقصي حقائق دولية ومستقلة يعينها رئيس المجلس للتحقيق في ادعاءات خرق القانون الدولي لحقوق الإنسان في سورية والتحقيق مع المسؤولين عن الخروق ليخضعوا للمحاسبة»، إضافة إلى التعاون الكامل مع اللجنة، كما يدعو إلى تقديم اللجنة تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته المقبلة. في الوقت نفسه، يدعو مشروع القرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الأخذ في الاعتبار انتهاكات حكومة سورية حقوقَ الإنسان عند التصويت على سعيها وراء عضوية مجلس حقوق الإنسان. وفي جلسة مجلس الأمن ليل الأربعاء - الخميس، حال اعتراض روسيا والصين ولبنان دون تبني مجلس الأمن بياناً اقترحته بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وأيّدته الولاياتالمتحدة «يدين العنف ويدعو إلى ضبط النفس»، ويؤيد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق «مستقل وذي صدقية» في سقوط الضحايا أثناء التظاهرات. وأعلنت الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن والولاياتالمتحدة أنها تدرس فرض عقوبات على دمشق، محملة السلطات السورية مسؤولية العنف وسلامة المدنيين. وشككت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس في «جدية الإصلاحات» التي أقرها الرئيس بشار الأسد، وقالت إن «على الحكومة السورية الاعتراف بمطالب شعبها المشروعة بإصلاح فعلي ودائم، الكلمات يجب أن تكون متبوعة بالأفعال لتأكيد أن الإصلاح حقيقي في سورية». وكررت اتهام سورية بتلقي «مساعدة من إيران» وممارسة «القمع الوحشي» ضد مواطنيها على غرار إيران. واعتبر السفير البريطاني مارك ليال غرانت أن سورية قابلت مطالب الشعب الإصلاحية بالعنف، مشيراً إلى «مقتل أكثر من 400 شخص». ودعا الحكومة السورية إلى الاستجابة فوراً لمطالب المتظاهرين، مشدداً على ضرورة محاسبة المسؤولين عن القتل والقمع والسماح بوصول وسائل الإعلام لنقل ما يحدث ميدانياً. وعبّر السفر الفرنسي جيرار آرو عن قلق فرنسا مما يحدث في سورية، داعياً الحكومة السورية إلى وقف القمع وإطلاق معتقلي الرأي وإجراء تحقيق. وأشار إلى أن عدم استجابة النظام السوري للمطالب الدولية تعطي الدول «وسائل أخرى للضغط» على سورية. وحذّر نائب السفير الروسي ألكسندر بانكين من «تدخل خارجي» يؤدي إلى «حرب أهلية» في سورية، لكنه دعا إلى «إجراء تحقيق فعلي» في أعمال العنف ومحاسبة المسؤولين عنها. واستند في اعتراضه إلى إصدار موقف من مجلس الأمن على أن «الأحداث في سورية لا تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين»، منوهاً بالخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة السورية كإنهاء حال الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة وتشكيل لجنة تحقيق. كذلك أشار السفير الصيني لي باودونغ إلى أهمية الخطوات الإصلاحية الأخيرة في سورية، مشدداً على أولوية الاستقرار في سورية والمنطقة. وقال إن «الاضطرابات في بعض الدول في المنطقة تبعث على القلق ليس فقط داخل هذه الدول، بل هي شكلت ضربة كبيرة للاستقرار على مستوى المنطقة». واعتبرت سورية أن عقد الجلسة في مجلس الأمن تدخل في شؤونها الداخلية، واتهم سفيرها في الأممالمتحدةبشار الجعفري الولاياتالمتحدة بتمويل المعارضة السورية، وقال إن «جهات أجنبية» تقوم بتسعير الاضطرابات وتدعم مجموعات متطرفة في سورية. وأشار إلى ما ذكرته «واشنطن بوست» عن تمويل الولاياتالمتحدة محطة «بردى» التلفزيونية السورية المعارضة. وقال إن الحكومة السورية التزمت أقصى درجات ضبط النفس لتجنب سقوط مدنيين، متهماً «مجموعات متطرفة» باستخدام السلاح وقتل «مدنيين وعسكريين والاعتداء على أملاك عامة وخاصة»، مضيفاً أن «سقوط ضحية واحدة هو ثمن باهظ نأسف له». ورفع الجعفري أمام مجلس الأمن لائحة تضمنت 51 اسماً من الضحايا العسكريين الذين سقطوا برصاص المسلحين. وأكد في الوقت نفسه أن الإصلاحات التي أقرها الرئيس الأسد حتى الآن «ستتبعها إجراءات إصلاحية أخرى قريباً». وأضاف أن بلاده تمارس حقها في الدفاع عن أمنها واستقلالها السياسي واستقرارها، و «حفاظاً على جميع حقوق المواطنين السوريين تم تشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي أدت إلى سقوط قتلى مدنيين وعسكريين». وشدد السفير اللبناني في الأممالمتحدة نواف سلام على «ترابط الأمن والاستقرار في سورية ولبنان»، وكرر موقف الرئيس اللبناني ميشال سليمان بأن لبنان «يقف إلى جانب القيادة السورية في الإصلاحات التي قرّرت من (إلغاء) قانون الطوارئ وصولاً إلى قانوني الأحزاب والإعلام، كما يعترف بأحقيّة المطالب الإصلاحية التي هي من أجل الإصلاح وليس من أجل الفتنة والنعرات الطائفية». وانضمت أستراليا أمس إلى المنتقدين للنظام السوري، إذ قال وزير الخارجية كيفين راد بعد اجتماع في مقر الكومنولث في لندن أمس: «نعتقد أن الوقت قد حان ليبحث المجتمع الدولي استخدام العقوبات ضد النظام السوري». كما واصلت باريس أمس إدانتها القمع بحق المواطنين السوريين، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن السفراء لدى اللجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي يجتمعون اليوم للبحث في العقوبات التي يمكن إقرارها بحق سورية، داعياً مجلس حقوق الإنسان الذي يجتمع اليوم بصورة طارئة إلى إقرار خطوة قوية تكون بمستوى الخطورة البالغة للوضع على الأرض وتصعيد القمع ضد الاحتجاجات في أشكالها كافة. وقال إن من الضروري للمجلس أن يوجه رسالة حازمة جداً تدين بشدة الانتهاكات الكثيفة لحقوق الإنسان السوري. وأعرب عن أسف بلاده لعدم تمكن مجلس الأمن من التوصل إلى اتفاق على بيان يدين العنف المتصاعد في سورية الذي تترتب عنه حصيلة ثقيلة من الضحايا البشرية. وأوضح: «فرنسا تعتزم أيضاً حمل الأسرة الدولية على الإقرار بالطابع غير الملائم في ظل الظروف الحالية، لترشيح سورية إلى عضوية مجلس حقوق الإنسان في أيار (مايو) المقبل». وذكر أن فرنسا قلقة جداً من التردي المستمر في ظروف عمل الصحافيين السوريين والأجانب في سورية، وتتابع عن كثب وضع الصحافي الجزائري خالد سيد مهند الذي يتوجب إطلاقه فوراً. وأجرى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو اتصالاً هاتفياً أمس بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، أكد خلاله أن المنظمة تتابع بقلق شديد أحداث العنف، معرباً عن أسفه الشديد لسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، ومجدداً موقف المنظمة الداعي إلى ضبط النفس وعدم استخدام العنف، مع ضرورة الإسراع بتطبيق الإصلاحات المعلنة، والحوار البنّاء مع القوى الوطنية لتحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري، لتجنيب البلاد مخاطر المزيد من العنف.