افتتح نائب حاكم الشارقة الشيخ عبدالله بن سالم بن سلطان القاسمي أمس الدورة العشرين ل «مهرجان الفنون الإسلامية» الذي تقيمه الدائرة الثقافية في الإمارة برعاية حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وذلك استكمالاً لإستراتيجية الإضاءة على الإرث البصري للفن الإسلامي ومواصلة دعم أسس حضوره الفاعل في الحياة التشكيلية العالمية. تحمل الدورة الحالية للمهرجان عنوان «أثر» بهدف «تعزيز المشهد الثقافي الفني من خلال أهمية مفهوم الأثر في الفكر الجمالي الإبداعي للفن الإسلامي والذي يعزز المكانة الاستثنائية لهذا الفن في تيارات الفنون العالمية»، كما أوضح المنسق العام للمهرجان مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة محمد ابراهيم القصير، مضيفاً: «من هنا وجدنا أن الوقوف عند مفهوم الأثر بات أمراً ملحاً وضرورياً، لأن الفن الإسلامي يملك قيماً جذابة للغرب كما الشرق، وتلفت مقوّماته المعاصرة التي يكتنزها». تنوّعت الأعمال المعروضة بين الرسوم والجداريات والتجهيزات والنحت والأعمال التفاعلية التي استطاعت في غالبيتها أن تطابق ثيمة المهرجان، وبذلك ترك كل عمل أثراً تفاعلياً في نفوس الزائرين. كانت المشاركات كثيرة ومن بلدان عدة أبرزها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وهونغ كونغ وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر والعراق وماليزيا... والغرابة التي تعيد نفسها كل سنة مع اختلاف الثيمات، هي أن الغربيين لديهم اطلاع كبير جداً على الفن الإسلامي ومقوّماته. ومن أبرز الأعمال، «العالم الآن» للبريطانية أبيغيل رينولدز التي جسّدت فكرتها عبر استعانتها بمشاهد من قصر الحمراء في غرناطة الذي بني منتصف القرن الرابع عشر، وتناولت بذلك الطراز المعماري الإسلامي الذي ما زال أثره مستمراً في البناء المعاصر. ومن ألمانيا جاءت إليسا ستروتسيك مع «نسيج خشبي» الذي نفذته باستخدامها مادة مبتكرة تجمع الصلابة والليونة بواسطة الخشب والنسيج، وصنعت منها ثلاث قطع متدلية بألوان مختلفة لأن «التأثيرات الإسلامية في الفن الغربي لم تقتصر على نمط أو عنصر بصري، بل ظهرت في نواح كثيرة». ولطالما افتتنت هذه الفنانة بالزخرفة والفسيفساء الإسلاميتين وبفكرة الأنماط المتكررة التي ترمز إلى اللامتناهي، وحقيقة أن الفن الإسلامي لا يحاول تكرار الطبيعة كما هي بل ينقلها إلى ما تمثله. وب «خام الحقيقة» أتى جون فوستر من الولاياتالمتحدة ليجسد فكرته في الفن الإسلامي. وكان عمله عبارة عن مجموعة من الأجسام الكروية الثنائية الألوان والمتعددة الأسطح والمدمجة ضمن مصفوفة من الجص، أراد من خلالها توثيقاً متعدد الأبعاد للزمان والمكان. أما خلفية العمل، فتمثلت بإفساح المجال للمشاهد لمواجهة إحساس «عارم في الدهشة مستحضراً حالات الفرح ومستثمراً الاستجابة لدينامية تدفق الشكل الطيفي» كما قال، موضحاً أنه اراد استخدام الهندسة لالتقاط ما يلمح إلى اللانهاية لترك الأثر الدائم في المشاهد نتيجة التأثر بتقاليد الفنون الإسلامية ومعمارها. ومن الأعمال التي برزت أيضاً، «مسار الذهب» للفنانة السعودية سارة العبدلي. وهو تركيب تفاعلي يجسد فكرة المتاهة، وهي رمز قديم للتأمل في لغة الفنون الإسلامية. يتألف العمل من 6 أشكال سداسية متماثلة تكوّن في مجموعها المتاهة، وهو مكوّن من الورق المعدني المذهب والأرضيات الخرسانية. وكان لافتاً عمل الفنان الإيطالي ليوناردو أوليان الذي حمل عنوان «ماندالا تكنولوجية 120– مساحة مشتركة»، وهو تركيب فني يكمن أثره في إفراغ المكونات الإلكترونية من وظيفتها الفعلية في انزياح باتجاه الإثارة الجمالية لرمزية الأشكال والألوان التي تجذب المتلقي. وعن هذا التركيب يقول أوليان: «تؤدي الأشكال المعلقة والوحدات المدرجة في الشبكة المعدنية وظيفة مرشحات الضوء التي تحفز المتلقي على رؤية مغايرة وأبعاد جديدة، كما أن الشبكة التي تمتد حول الماندالا المركزية، ترمز إلى إقامة كل الروابط المفقودة بين الناس ضمن ثقافة معينة». لم تغب الأعمال اليدوية التطريزية عن المهرجان، فقد أتت ناتالي فيشر من أستراليا مع خيوطها الصوفية لتنفّذ أعمالاً دقيقة جسّدت من خلالها مشاهد من المغرب عبر أشكال ثنائية وثلاثية الأبعاد، وقد استوحت أعمالها من التطريز اليدوي و «الزليج» (أرضيات السيراميك المغربي)، داعية المشاهد إلى التفكير في الطريقة التي يمكن عبرها استخدام الصوف لتجسيد البلاط التراثي القديم. يذكر أن المهرجان يتضمن 44 معرضاً في متحف الشارقة للفنون ومركز الشارقة للخط ومسرح المجاز والقصباء وغيرها من الأماكن. وفي تلك المعارض 181 عملاً فنياً متنوعاً بين أعمال تركيب وحروفيات وخط أصيل وجداريات، نفّذها 43 فناناً من 31 دولة عربية وأجنبية. وإضافة إلى الأعمال الفنية، تنظم الدائرة 153 ورشة فنية وتقدم 27 عرض فيديو. ومن الجانب التنظيري والبحثي، سيكون هناك 46 محاضرة فضلاً عن لقاءات حوارية مفتوحة بين الفنانين والجمهور.