«انحسر صوت الزنداني فارتفع خطاب صالح»، بهذه العبارة تحاول سلوى (22 سنة) تلخيص مأزق اليمنيات مع ثقافة القمع والاقصاء المتكئة على الدين والعادات... اذ ان المشهد الكئيب يحتل مختلف الجهات ولا يقتصر على يمين أو يسار أو وسط. لم تكن المرة الاولى، ولا الأخيرة، التي تسمع فيها اليمنيات مَن يقول لهن ان الاختلاط حرام على غرار ما جاء في خطاب للرئيس علي عبدالله صالح الجمعة الفائت، وهو الخطاب الذي أثار حفيظة آلاف منهن خرجن في تظاهرات منددات بخطاب صالح، واتهمنه بالاساءة اليهن، بقوله أن اختلاط النساء بالرجال في ساحة التغيير مكان اعتصام مئات الآلاف من المحتجين غير جائز شرعياً. وترى الناشطة الحقوقية وميض شاكر أن خطاب صالح ارتكز على زاوية المتشددين في ضرب الحضور السياسي الليبرالي للمرأة في ساحات الاحتجاج ودعمها للتوجه السلمي للثورة. وتوضح: «صالح بخطابه، ينسف ما سبق وروّج له حول مخاطر استيلاء «القاعدة» في حال حدوث فوضى وحرب أهلية في اليمن». ووفق شاكر، فإن حضور النساء الكثيف في ساحات الثورة «أحرج صالح أمام الغرب الذي لطالما حاول اقناعه بفزاعاته»، معتبرة أن صالح بقوله هذا «أراد تحسين صورته وايجاد مخرج لخلو حشوده من النساء». والحقيقة أن تجريم الاختلاط، من وجهة نظر بعض التفسيرات الدينية وثقافة العيب، راسخ في المجتمع اليمني ويطاول مختلف المستويات التعليمية. والمفارقة أن قهر النساء يأتي من النظام والمطالبين بإسقاطه. فلم تمض سوى ساعات قليلة على خطاب صالح حتى تعرض عدد من الناشطات المدنيات غير المحجبات لاعتداء من جانب شبان في اللجنة التنظيمية في ساحة التغيير وجنود تابعين للفرقة التي أعلن قائدها الانشقاق عن النظام وتعهد بحماية المعتصمين. ووفق رواية الناشطات المعتدى عليهن، فإن الاعتداء المادي واللفظي جاء على خلفية اصرارهن على المشاركة في تظاهرة مختلطة ورفضهن الانصياع لأوامر لجنة التنظيم بالبقاء في تظاهرة نسائية منفصلة. ولا تزال الحادثة تثير جدالاً حول حقيقة احترام مكونات «الثورة»، ومنها حزب «تجمع الاصلاح الاسلامي» وجنود الفرقة الأولى مدرع اللذان ينتمي اليهما المعتدون، لثقافة التغيير وحقوق الانسان. ومن المرجّح أن «اللحظة الثورية»، وإن حملت شعارات براقة وفرضت على بعض التيارات في الساحة كبح نزعاته، إلا أن ذلك لا يعني أن النظرة القاصرة إلى المرأة واعتبار اختلاطها بالرجال عيباً أو حراماً في طريقها إلى التعافي، والحاصل أن الثقافة التمييزية هي من العمق والرسوخ في بنية المجتمع اليمني. والواضح أن حرية المرأة في أجندة الأحزاب بمختلف أطيافها لا تعدو أن تكون مجرد «طلاء سياسي»، ويندر وجود تمثيل حقيقي، حتى لدى النساء أنفسهن. ويرشح من الجدل المنبثق عن حادثة الاعتداء على الناشطات مدى عجز الحركة الاحتجاجية المطالبة باسقاط النظام في الانعتاق من واقع ثقافة النظام الذي تدعو إلى تغييره. وكتب البعض على صفحات الثورة على موقع «فايسبوك» ما معناه أن اللحظة لا تستدعي الالتفات الى مثل هذه الحادثة طالما أن مرتكبيها ينتمون الى مكون الثورة وليس الى النظام الحاكم. وثمة من ذهب الى القول ان الناشطات بكشفهن حادثة الاعتداء عليهن، بلعن طعم الأمن القومي (الاستخبارات) وأنهن بذلك تسببن «بزرع الفتنة في أوساط الثورة». ومن المؤسف أن يعيد بعض المحتجين انتاج ثقافة شمولية لا تقف عند قضايا المرأة فحسب، بل تقوّض ايضاً كل الاحلام بالتغيير ومنها الايمان بالحريات الفردية. ومن اللافت قول بعض الشبان المحتجين والناشطين على صفحات الانترنت إن «الثورة فوق كل مصلحة وفوق كل اعتبار»، وهي المقولة ذاتها التي لطالما اتكأت عليها الانظمة المستبدة في تقييدها الحريات. وتخشى سلوى من «تناسخ الحلم الكاذب الذي وسم ثورات الاستقلال في المنطقة العربية، حين جاء الثوار بما لم يأتِ به الاستعمار من عسف وظلم ومصادرة للحقوق»، محذرة من «طوباوية العيش في الشعارات والعواطف»، ومؤكدة أن «تجسيد حقيقة الثورة ومنها ما يخص احترام حرية المرأة يجب أن ينبثق في ساحة الاحتجاج والآن وليس في مجرد اللغط والهتاف بإسقاط النظام». وعلى رغم قتامة الصورة خصوصاً مع اتكاء كثيرين ممن يرفضون الاختلاط على ثقافة تجمع بين العادات والتفسيرات الدينية الخاطئة، ثمة بين رجال الدين من يبدي نزعة عقلانية متقدمة ويحاول ان يفصل بين العادات الثقافية والفهم العقلي للدين. وأفتى رجل الدين اليمني والاستاذ في كلية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء زيد المحطوري بجواز اختلاط النساء بالرجال في ساحات الاعتصام واعتبر مبيتهن في الساحات شبيهاً بمبيتهن في مزدلفة أو منى، لا حرج فيه. الا أن مثل هذه الفتاوى تبقى محدودة إزاء هيمنة ثقافة العيب والتحريم.