«احذروا هذا الشخص يلعب اختراقاً»، هذا ما تكتبه مرمرة على صفحتها على موقع «فايسبوك» مرفقاً برابط صفحة الشاب الذي تتهمه بالقرصنة الالكترونية. وبحسب المعلومات المبينة على صفحتها، تقيم مرمرة في برلين ولا يوجد في منشوراتها الجديدة والقديمة ما يشي بمناوئتها للثورة اليمنية أو انها «بلطجية» بحسب ما يقول الشاب المتهم الذي اتضح لاحقاً إنه ناشط في المركز الاعلامي لساحة التغيير في صنعاء. وتشكل الحرب الالكترونية إحدى ساحات المواجهة بين شبان الثورة وأنصار النظام الحاكم، وتعكس ايضاً طبيعة الصراعات الناشبة داخل مكونات الثورة نفسها. ويرشح من منشورات مرمرة والشاب المتهم بالاختراق، انزلاقهما الى الخصومة القائمة بين الحوثيين والاصلاحيين وهما جماعتان تخوضان صراعاً صار يقسم ساحات الاحتجاج اليمنية على أسس تقليدية اقرب ما تكون الى المذهبية وان شملت غير المتدينين. الحديث عن مندسين وأعداء مفترضين يعملون ضد الثورة من داخلها ومن خارجها وشيوع خطاب التخوين ليس وليد اللحظة ولا ينحصر بشبكات التواصل الاجتماعي فحسب بل هو سمة لازمت الثورة الشبابية اليمنية منذ انطلاقتها مطلع العام الماضي. الصراع الذي تشهده ساحات الاحتجاج يشي باحتمال نشوب مواجهات ربما جاءت اكثر حدة من تلك التي خاضها الثوار ضد النظام الذي حصل على اتفاق مصالحة وطنية يعفيه من أي عقوبات. ولا يزال للنزعات العصبوية تأثير في توجيه السلوك السياسي والاجتماعي في هذا البلد الذي لطالما وظفت السلطة طابعه القبلي لمصلحتها. ومنذ توقيع الرئيس اليمني في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اتفاقاً رعته دول الخليج والأمم المتحدة ينظم نقل السلطة، تفاقم الصراع بين الحوثيين الشيعة والاصلاحيين السنّة خصوصاً بعد سيطرة الحوثيين على محافظتي صعدة والجوف ومحاصرتهم لمركز دماج وهو معهد ديني سلفي يضم دارسين عرباً وأجانب. وغداة وصول «مسيرة الحياة» الى ساحة التغيير في صنعاء والتي يتهم الحوثيون الشيعة بالوقوف وراءها، نشب عراك بين حوثيين واصلاحيين ما أدى الى جرح نحو 20 شخصاً. وعلى رغم تشابه شعارات المحتجين اليمنيين مع الشعارات التي رفعتها بقية ثورات الربيع العربي، جاءت الثورة اليمنية على صورة واقعها الاجتماعي وهو واقع لم يتخفف بعد من إرث ما قبل الدولة ومن سماته تشظي الجماعة الاجتماعية وشيوع الخوف والتوجس من الآخر. وكانت المسيرات الراجلة مثل مسيرتي « الحياة» و»الكرامة» اللتين انطلقتا من تعز والحديدة باتجاه صنعاء (قطع آلاف المحتجين ما يزيد عن 250 كلم سيراً على الاقدام) قوبلت بردود افعال متباينة خصوصاً مع مقتل 13محتجاً أثناء محاولة المرور بجوار القصر الرئاسي. وترى سلوى (22 سنة) في الحادثة «عملاً عبثياً واستهتاراً بأرواح الشبان»، مؤكدة عدم وجود هدف واضح للمسيرة باستثناء استعراض القوة في اطار الصراعات بين مكونات الثورة. والواضح على الفرز السياسي الذي يشهده اليمن حالياً أنه يعيد الثورة الشبابية الى لحظة الحرب الباردة حين كان الاصطفاف السياسي يقوم على ثنائية تضم اليسار والقوميين والجماعات الشيعية أو ما يعرف باليسار الاسلامي من جهة، والسلفيين والاخوان المسلمين والنظام العسكري القبلي الحاكم في شمال اليمن من جهة ثانية. ويقول محمد (33 سنة) أنه يؤيد الحوثيين لأنهم يشكلون قوة توازن أمام هيمنة الاصلاحيين والسلفيين، مشيراً إلى أن القادة الشيعة يظهرون انفتاحاً نسبياً لجهة الحريات في إشارة الى فتوى رجل دين شيعي تجيز الاختلاط بين الذكور والإناث في ساحة الاحتجاج. ويلفت محللون سياسيون إلى مسعى ايراني لإيجاد حليف يمني قوي يوفر لطهران موطئ قدم على مضيق باب المندب المتحكم بسير الملاحة الدولية بما يعزز موقف ايران تجاه واشنطن. وتؤكد مصادر محلية وجود استقطاب نشط تمارسه الجماعات الحوثية في محافظة تعز القريبة من باب المندب كما أن بين شبان الثورة من يبدي تأييداً للنظام السوري ويشارك في نشاطات ترعاها مؤسسات ايرانية او سورية أو على صلة ب»حزب الله» اللبناني. وتجد الجماعات الموالية لطهران في الرافضين للمبادرة الخليجية في الساحات وداخل الحراك الجنوبي صيداً ثميناً لتحفيز العداء للأميركيين والخليجيين. وصار قانون منح الرئيس صالح ومن عمل معه ضمانات بعدم الملاحقة القضائية احدى وسائل شحن العداء ضد الحكومة رغم انها تضم ممثلين عن الحوثيين. وردد المحتجون شعارات تندد بالاتفاق مثل «يا حكومة نص نص واحد قاتل واحد لص»، فيما اعلن حوثيون واشتراكيون عن تشكيل ما سمي ب» لجنة انقاذ الثورة». والحال أن ثورة الشباب اليمني لم تستقر بعد على وعي يرقى أن يشكل ركيزة جديدة للدمقرطة ونبذ العنف لإخراج البلد من نفق العصبيات القاتلة. وتأمل هدى (25 سنة) أن يؤدي الفرز الجديد الى إعادة الوضوح للمشهد السياسي بعد الالتباس الذي سببته طبيعة حزب المؤتمر الشعبي الحاكم. ويرجح البعض أن يؤدي انسحاب ممثلي القبيلة و»الاخوان المسلمين» من «المؤتمر الشعبي» الى تبلور تحالف جديد يضم كلاً من الحوثيين والاشتراكيين والناصريين وحزب المؤتمر الشعبي خصوصاً بعد تحرر الاخير من هيمنة الرئيس صالح والجماعات القبلية والدينية وهذا أمر يحظى بدعم غربي واسع. وتفيد معلومات بأن التيار العلماني داخل المؤتمر الشعبي لعب دوراً في ما بات يعرف بثورة المؤسسات التي تستهدف تفكيك منظومة المصالح التي اعتمد عليها الرئيس صالح وافراد أسرته في حكمهم للبلاد، وتشمل مسؤولين عسكريين ومدنيين متهمين بالفساد.