أثرت الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي يشهدها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي، وتراجعت لذلك تقويمات الشركات، في ضوء ارتفاع تكاليف التمويل وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وهو أمر بات من سمات الربع الأول من السنة. ورأت شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» العالمية، في تقرير أصدرته أمس في دبي، أن أحداث المنطقة انعكست سلباً على ثقة المستثمرين، ما أجبر عدداً من الشركات على إعادة تقويم خططها في شأن الاكتتابات العامة الأولية، فأجلت كل ما كان مقرراً في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة. وأكدت المؤسسة أن الربع الأول كان «مخيباً للآمال في ما يتعلق بالاكتتابات العامة الأولية»، إذ لم تسجل البورصات في دول مجلس التعاون أيَّ تعاملات في هذا الشأن، مقارنة بثلاثة اكتتابات شهدها الربع الأخير من عام 2010، وحققت نحو بليوني دولار، علماً أن المنطقة شهدت طرح ستة اكتتابات عامة في الربع الأول من العام الماضي بقيمة 114.35 مليون دولار من الأسهم الجديدة. ولفت مراقبون إلى أن اختفاء الاكتتابات في المنطقة أتى في وقت شهدت فيه أسواق الأسهم في منطقة الخليج معدلات كساد، إلى جانب تآكل القيمة السوقية للشركات، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها في شباط (فبراير) الماضي. وأوضح رئيس مجموعة الأسواق المالية في الشرق الأوسط في «برايس ووترهاوس كوبرز» ستيفن دراك، أن عودة الاكتتابات العامة الأولية إلى البورصات في دول مجلس التعاون «يتطلب زيادة النشاط الاقتصادي، وتعزيز ثقة المستثمرين، وإنعاش أسواق الأسهم في تلك الدول». ولم ينكر وجود بعض المؤشرات الإيجابية على التعافي الاقتصادي، على رغم الاضطرابات السياسية في المنطقة، والتي «تشكل هاجساً متزايداً يهدد المستثمرين الإقليميين والدوليين، ما ألقى بظلاله على الأسواق الإقليمية». ولفتت المؤسسة إلى أن أوروبا شهدت اكتمال 94 من اكتتابات الأسهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة، بلغت قيمتها أكثر من أربعة بلايين دولار، مقارنة ب 129 اكتتاباً بنحو 14 بليون دولار خلال الربع الرابع من عام 2010. واستضافت لندن معظم الاكتتابات في الحالتين. ولاحظت المؤسسة اتجاهاً متزايداً لدى الشركات المحلية التي تسعى إلى الإدراج في البورصات الدولية، بهدف الوصول إلى رأس المال الدولي، إذ أعربت كل من «شركة الطاقة الكويتية» وشركة «توباز للطاقة والملاحة» عزمهما إدراج أسهمهما في بورصة لندن الرئيسة، علماً أن كلتا الشركتين أعلنتا تأجيل خطط الإدراج، ما أظهر الصعوبات التي تواجه الشركات الإقليمية الساعية لجمع الأسهم في الأسواق الدولية. وعلى عكس أسواق الأسهم، استمرت أسواق الدَّين العام الإقليمي في الانتعاش خلال الفصل الأول من السنة، بفضل بعض الإصدارات الضخمة لشركات حكومية، بما في ذلك إصدار «هيئة كهرباء ومياه دبي» الذي بلغت قيمته أكثر من بليوني دولار، وإصدار شركة «الاستثمارات البترولية الدولية» بقيمة 2.5 بليون دولار، وإصدار شركة «قطر للاتصالات» التي طرحت سندات بقيمة 1.5 بليون دولار. وأكدت «برايس ووترهاوس كوبرز»، أن حجم هذه الإصدارات يدل على «رغبة المستثمرين المحليين والدوليين في الخوض في الاستثمارات ذات الدخل الثابت». ولاحظت أن السندات والصكوك الإسلامية تحافظ على قوتها، على رغم إرجاء بعض الإصدارات، بعدما دفع المصدرون القادمون إلى السوق، في الربع الأول من السنة، أسعاراً أعلى لديونهم مقارنة بالربع الرابع من العام الماضي. ومع تزايد الإنفاق على الاستثمارات، خصوصاً البنية التحتية، توقعت «برايس ووترهاوس كوبرز» بقاء أسواق الدَّين العام مصدراً حيوياً لتمويل عدد من المصدرين، إلا أن المصدرين الذين يتحلون بالمرونة عند إصدار الأسهم، يرجح أن يستفيدوا من تحديد الأسعار.