قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه إن المنظمة مصممة على التوجه إلى الأممالمتحدة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وقبول عضويتها في المنظمة الدولية. وكشف في مقابلة أجرتها معه «الحياة» أن الإدارة الأميركية شرعت أخيراً في اتصالات مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بهدف استئناف المفاوضات تفادياً للوصول إلى الأممالمتحدة. وأمل في أن يتحرك العالم، سياسياً في المرحلة الأولى، وعسكرياً في المراحل اللاحقة، من أجل ضمان حرية واستقلال فلسطين كما حدث في كوسوفو والبوسنة وكما يحدث الآن في بعض دول المنطقة. وفي ما يأتي نص المقابلة: هل أنتم مصممون على الذهاب إلى الأممالمتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل؟ - القيادة الفلسطينية لن تتراجع عن ذلك إلا في حال انطلاق مفاوضات سلام حقيقية وجادة تقوم على مرجعية واضحة تحددها اللجنة الرباعية الدولية مجتمعة وقوامها الاعتراف بحدود عام 1967 كأساس، وتبادل محدود للغاية للأراضي لا يشمل أي تبادل للسكان، وأن ترعى اللجنة الرباعية هذه المفاوضات وفق الجدول الزمني المتفق عليه سابقاً والذي ينتهي في أيلول المقبل. من دون ذلك، سنتجه إلى الأممالمتحدة، وسنطالب بعد الحصول على الاعتراف بالتعامل مع الوجود العسكري والاستيطاني الإسرائيلي على أنه دخيل ويعتدي على سيادة أراضي دولة أخرى عضو كامل العضوية في الأممالمتحدة. والخياران المطروحان على القوى الدولية الرئيسة، خصوصاً واشنطن، هما إما عملية تفاوضية جادة تقود إلى دولة مستقلة، أو تدخل من الجمعية العامة ثم مجلس الأمن لفرض هذا الحل. لا يوجد لدينا خيار ثالث. وماذا سيحصل في اليوم التالي للاعتراف، هل ستلغون الاتفاقات الحالية مع إسرائيل؟ - سنحتفظ بكل الالتزامات على المستويين الداخلي والخارجي، بما يشمل إسرائيل، ما عدا الوجود غير الشرعي العسكري والاستيطاني الذي ينبغي أن يتدخل المجتمع الدولي، وبطرق سياسية في البداية على الأقل، من أجل إخراجه من أراضي دولة فلسطين المستقلة. قد تكون هذه معركة سياسية طويلة الأمد، لكن آن الأوان كي نرى كيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذا الصراع، خصوصاً أن هذا المجتمع بدأ يتحرك، وبدرجات متفاوتة، في شكل إيجابي تجاه نظام الاستبداد العربي في أكثر من بلد حتى يساعد شعوب هذه المنطقة على إنهاء قرون الطغيان والاستبداد وحرمان الشعوب من حرياتها. ثمة من يتحدث عن انتفاضة ثالثة سلمية بعد أيلول؟ - لا نريد أن نعطي وصفة جاهزة لأساليب التحرك الشعبي، فهذا لم يعد رهناً بقرار نخبة سياسية، سواء كانت حزباً أو قيادة أو مجموعة من المثقفين. هذا الأمر صار ملكاً لقطاع واسع من التيارات الجديدة والشابة في المنطقة. ما نحرص عليه هو سلمية أي تحرك، وعدم حلول جماعات مسلحة بديلاً عن دور الجماهير الشعبية. إسرائيل كانت سباقة، قبل أنظمة الاستبداد، إلى محاولة حرف الصراع مع الشعب الفلسطيني عن مساره، وتحويله إلى صراع مسلح، وتصوير الوضع أمام العالم وكأنها تقاتل عصابات وليس شعباً بأكمله. هناك من لحق بهذه السياسية الإسرائيلية في بعض البلدان العربية ويحاول أن يدفع الحركة الشعبية قصراً إلى طريق العصيان المسلح حتى يسهل قمعها بوسائل دموية. لا أعتقد أن هذا هو خيار النخب الفلسطينيةالجديدة ممثلة في جماهير الشباب الذين ما عادوا حكراً على حزب أو تيار أو تجمع سياسي. هل لديكم ضمانات للحصول على الاعتراف الدولي، وهل يقتصر ذلك على دول العالم الثالث أم يشمل دولاً كبرى مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي؟ - الغالبية العظمى من الدول المؤثرة، بما فيها الدول الأوروبية، ستعترف بدولة فلسطين، وسيكون هناك شبه إجماع على هذا الاعتراف. والولاياتالمتحدة، كما يدلل سلوكها السياسي حتى الآن، لا تريد أن تكون في خانة الأقلية المحدودة التي تصطف إلى جانب الاحتلال، لذلك تقوم الآن بتحرك من أجل إعادة إحياء المفاوضات. نحن لا نعارض هذا التحرك، بل نعطيه الأولوية في الوضع الراهن، إنما نريد لهذا التحرك أن يكون مجدياً، وأن تتوافر له شروط النجاح من خلال الإقرار بالمرجعية والجدول الزمني. ما هو شكل هذا التحرك؟ - الولاياتالمتحدة تتحاور معنا ومع الجانب الإسرائيلي، لكن هذا الحوار لم يخرج عن إطاره القديم، والذي يتمثل في مجرد الدعوة إلى استئناف المفاوضات، على رغم سياسة إسرائيل التي تنكر أي مرجعية وتصر على استمرار الاستيطان. هذا الوضع لا يقود إلا إلى استهلاك الزمن، وتخليص إسرائيل من مأزقها أمام المجتمع الدولي. الثلاثي الأوروبي الذي أصبح الآن خماسياً، ويضم كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، ليس بعيداً من موقفنا. صحيح أنه يفضل طريق المفاوضات كأولوية، لكنه يريد لهذه المفاوضات مرجعية سياسية وضمانات واضحة يعبر عنها البيان الثلاثي الذي تلاه المندوب البريطاني أمام مجلس الأمن في أعقاب استخدام الفيتو (الأميركي) أخيراً، وهو البيان الذي يدين الاستيطان بأكمله باعتباره غير شرعي، ويدعو إلى دولة على حدود عام 1967 واعتبار القدسالشرقية عاصمة لها، وحل مشكلة اللاجئين من خلال موقف قريب للغاية من موقف مبادرة السلام العربية. إذا تم قبول هذا البيان من الولاياتالمتحدة كأساس في اجتماع الرباعية المقبل ووافقت إسرائيل عليه، فهذا يقرب لحظة المفاوضات ويكسبها الجدية التي نرغب فيها. وما هو توقعكم؟ - إسرائيل تقاوم حتى الآن على رغم إدراكها أن رياح التغيير في المنطقة لا تسير لمصلحتها، على المدى البعيد على الأقل، وهي تلجأ إلى وسائل المناورة القديمة من خلال الإيحاء بأنها تعد لعرض مبادرة، كما أشاع نتانياهو عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل شهر، ثم استعمل مقتل العائلة في مستوطنة إيتمار ذريعة لسحب هذه الأفكار، والآن يروج بطريقة غير ملزمة وعبر وسائل الإعلام الإسرائيلية مرة أخرى عن نيته القيام بانسحابات جزئية من الضفة الغربية وخطوات مماثلة على صعيد وقف محدود للاستيطان، وكله يأتي في إطار الالتفاف على المناخ الدولي والإقليمي أملاً في أن ينجلي الغبار عن التطورات في المنطقة، أو أن تدخل وقائع جديدة ومفاجئة لتحرف أنظار العالم عن التركيز على ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. هل ستتغير قواعد اللعبة مع إسرائيل بعد أيلول، وفي أي اتجاه؟ - هناك اليوم، بعد التطورات الأخيرة في العالم العربي، تفسير أكثر اتساعاً لقواعد القانون الدولي بما يتضمن حق الأممالمتحدة والمجتمع الدولي بأسره في التدخل السياسي وحتى العسكري من أجل إسناد كفاح الشعوب السلمي في سبيل حريتها، وشل قدرة الطغاة على قمع حرية الشعوب، وهذا لون من ألوان العولمة الإيجابية. وعلى رغم أنه ليس مبدأ صافياً في كل الحالات، لكنه خطا خطوات واسعة في هذا الاتجاه. كوسوفو والبوسنة كانتا تعدان في وقتها بمثابة أعمال استثنائية وخارجة عن المألوف. الآن الوضع لم يعد كذلك، ولهذا فإن الوجهة التي يسير نحوها الوضع الدولي والإقليمي تقلق إسرائيل قلقاً شديداً. نحن من جانبنا سنظل متمسكين بهذا المفهوم الجديد للقانون الدولي، وقد أثبت نجاعته في إشراك قوى واسعة، بما فيها بلدان بعيدة من الصراع مثل دول أميركا اللاتينية، حتى تساهم في الضغط معنا من أجل إنهاء الاحتلال، وسنتوجه إلى كل منابر العمل السياسي الدولي. ما هي فرص المصالحة الوطنية؟ - فرص المصالحة مفتوحة، ولا ينفع حماس أن تواصل استخدام الذرائع، بما فيها العدوان الإسرائيلي على غزة للتهرب من المصالحة. نحن متفقون مع القيادة المصرية الجديدة على أن المصالحة لم تعد في حاجة إلى إحياء دوامة الحوار من جديد، فهذا مضيعة للوقت ولعب في مسرح اللامعقول الذي يريده أولاً الاحتلال الإسرائيلي لتكريس وجود كيانين، وللتذرع الدائم بأن قيادة منظمة التحرير لا تقدر ولا تملك التحدث باسم الشعب الفلسطيني في ما يخص مصيرهم الوطني الشامل. الطريق للمصالحة أوضحناه: حكومة وحدة وطنية تضم شخصيات مستقلة تلتزم البرنامج الوطني الذي تم التوافق عليه من خلال ما يسمى وثيقة الأسرى التي تنص على أن ملف المفاوضات والعملية السياسية هو شأن تتولاه قيادة منظمة التحرير ورئيسها إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي يعرض على استفتاء الشعب الفلسطيني بمجموعه. الأمر الثاني هو الإعداد لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية ولعضوية المجلس الوطني خلال ستة أشهر. وأية خلافات قديمة أو جديدة تتم معالجتها عبر الحكومة الوطنية أو حتى بعد إجراء الانتخابات. المهم هو أن يتوافر عنوان واحد للشعب الفلسطيني وأن تكسر حلقة الانقسام. هذا هو المشروع الذي أصبح عليه إجماع شامل، عربي ودولي، إلى حد كبير.