أخيراً، حزم رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ أمره، وأعلن ب «جرأة» استبعاد روسيا «الدولة» عن دورة بيونغ تشانغ (كوريا الجنوبية) الأولمبية الشتوية التي تنطلق في 9 شباط (فبراير) المقبل، وإيقاف نائب رئيس الوزراء فيتالي موتكو ورئيس اللجنة الأولمبية الروسية عضو اللجنة الدولية مدى الحياة عن أي نشاط رياضي، وترك الباب مفتوحاً أمام رياضييها في شكل حيادي وتحت مسمّى «رياضي أولمبي روسي»، وذلك على خلفية التنشّط الممنهج. وعُدّت الخطوة سابقة في تاريخ الحركة الأولمبية. فقد ترك باخ للاتحادات الدولية قرار استبعاد الرياضيين الروس من عدمه في دورة ريو دي جانيرو الصيفية العام الماضي، غاسلاً يدي اللجنة الدولية من حكم مبرم «قبل الاستحواذ على القرائن والدلائل وامتلاك الأدوات الكافية»، فشارك 271 رياضياً من أصل 387. ويومها ظنّ الروس أن العاصفة العاتية ستهدأ بعد انتهاء الألعاب مباشرة، لكن يبدو أن ما كُشف حينها من انتهاكات كان «قمة جبل الجليد» فقط، خصوصاً «الارتكابات» المتعلقة بدورة سوتشي 2014، والتي تصدّرت روسيا جدول ميدالياتها ب33 ميدالية بينها 13 ذهبية، وقبل أن تؤدّي عيّنات أعيد فحصها إلى شطب نتائج وسحب ألقاب من 25 من أبطالها وبطلاتها»، فتراجعت في الترتيب إلى المركز الرابع، وملف التحقيق لم يقفل بعد، علماً أن 4400 عيّنة «صودرت» من مختبر موسكو. والتقرير «القنبلة» للمحقق الكندي ريتشارد ماكلارين كشف في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2016 تورّط ألف رياضي! مساء الثلثاء، لم تفلح بطلة العالم في التزحلق الفني، يفغينا ميدفيدييفا، خلال «مرافعتها» في لوزان، في إثارة عاطفة أعضاء المكتب التنفيذي للجنة الدولية وإقناعهم ببراءة بلادها. وكان يبدو أن ما كُتب قد كُتب وينتظر التظهير والإخراج المناسبين بعد فصول مثيرة من التعقّب هي أشبه بالروايات البوليسية ومغامرات الجاسوسية. وقبيل الجلسة الأولى للجنة الدولية، ذكر باخ أن التنشّط الروسي المنهجي بين عامي 2011 و2015 «شكّل هجوماً غير مسبوق على نزاهة الألعاب الأولمبية والرياضة». وأمس، دعت موسكو إلى عدم الانسياق وراء العواطف، بعدما أثار القرار سخط الأوساط السياسية والرياضية في روسيا، التي وصفت المشاركة تحت العلم الأولمبي ب «الأمر المهين». واعتبر الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن «الوضع خطير»، لكن «يجب تحليل قرار اللجنة الدولية بانتباه ورويّة»، ممهداً بالتالي لما أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين من أن السلطات لن تمنع الرياضيين الروس من المشاركة كمستقلين في ألعاب بيونغ تشانغ.. ويبدو أن «الإيحاء الرئاسي» نابع من رغبة أكثرية الرياضيين في المشاركة، وتجنيبهم أن يُنعتوا ب «الخونة»، ومنسّق خلف الكواليس مع اللجنة الأولمبية الدولية. كما أن موسكو المتأرجحة بين الغضب وحتمية الرضوخ تفادت المقاطعة «القرار الأسوأ» في نظر خبراء ومطلعين، وقد تكون أوصدت الباب سنداً إلى تصريح الرئيس بوتين باللجوء إلى المحكمة الرياضية، لأن السوابق المتعلّقة بملفاتها لم تكن مشجعة على هذا الصعيد. كما جنّبت اتحادات معنية بالرياضات الشتوية، مثل الهوكي على الجليد والبوبسليغ، الإحراج، لأنها كانت ضد الإيقاف «الدولي» لروسيا. والعلاقة الملتبسة بين الرياضة والسياسة وسطوتها الدولية قديمة العهد، ولعّل التنشطّ ومناهجه من أدواتها ومفاعيلها. وإذا كان بوتين وجّه نحو «سياسة رياضة وطنية» للحد من إدمان الكحول والمخدرات متأثراً بتكوينه الرياضي بالدرجة الأولى، فإن سلفه جوزف ستالين فرض على وزير الرياضة نيكولاي رومانوف تعهّداً خطياً بتصدّر البعثة السوفياتية إلى دورة هلسنكي الأولمبية عام 1952، ففاز أفرادها عامذاك ب26 لقباً. كما أن مؤامرات سياسية كانت تحاك بنسيج رياضي، فمناوئو نيكيتا خروتشيف الذين نصّبوا ليونيد بريجنيف مكانه، كانوا يجتمعون خلال مباريات كرة قدم لعدم إثارة الانتباه، والقصص الشبيهة كثيرة.