تحولت الندوة الأخيرة في البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية التي عقدت أمس في فندق ماريوت، من مناقشة التحديات الثقافية التي تواجهها السعودية إلى نقاش حول وضع المرأة السعودية، في مطالبة من المشاركات إلى مواطنة من الدرجة الأولىما دعا وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، الذي حضر كضيف شرف، إلى التدخل، مؤكداً أنه لا توجد حساسية تجاه المرأة وأنه ينظر إليهن بعين متساوية. وكان المشاركون في الندوة أكدوا عدم وجود مشروع حضاري وطني يسير عليه المثقفون، مشيرين إلى أن الإعلام الجديد أصبح أكثر تأثيراً من الإعلام القديم. وفيما تطرق الدكتور عبد الله مناع إلى الرؤية السياسية عند المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، وكيف طور آليات معينة للنهوض بالبلد، أكد الدكتور عبدالله البريدي أن الثقافة أصبحت «معطلة في أجزاء من حياتنا ما جعل نتاجنا الثقافي يقل»، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر الذي نواجهه هو «عدم وجود مشروع حضاري وطني، ولهذا نتساءل كيف يعمل المثقفون من دون أن يكون هناك نبراس يسيرون عليه وخطة واضحة»، لافتاً إلى أن بعض المثقفين يعتبرون الحضارة في تشييد المباني «وهذا مجاف للحقيقة». وأوضح البريدي «أن مجتمعنا مصاب بداء النفاق الاجتماعي، وانه لا يوجد أي تقويم مهني للمؤسسات الصحافية في المملكة، ولهذا تحولت بعضها في كثير من السياقات إلى دكاكين إعلانات، وأصبحت لا تخرج صحافيين مهنيين، على رغم الوفرة المالية التي تذهب إلى الإدارة العليا»، مشيراً إلى أن المثقف «أصبح يعاني من التزعزع عندما يكون متمسكاً بالاستقلالية والسمات الثقافية، وأضحت الطروحات التي يقولها نوعاً من الخروج على المتعارف عليه»، مشدداً على أنه لابد من إعادة دور المثقف، «وأن يتم تفعيل دور المثقف الأكاديمي حتى يستطيع أن يحمل نظرة في تشخيص البلورة الثقافية». وتابع: «أن بعض المثقفين يعانون من قصر النظر وعدم اطلاع». وقال الدكتور خالد الفرم إن الإعلام الرسمي يواجه أزمة كبيرة، مستشهداً ببعض كبريات الصحف العربية، التي خسرت نصف قرائها «بسبب التحولات الفكرية التي حدثت في العقل السياسي العربي وأثرت في الإعلام»، مشيراً إلى أن الإعلام الجديد «أصبح أكثر فاعلية من الإعلام التقليدي، بسبب فقدان الثقة في الإعلام الرسمي من مواطني العالم العربي»، مشدداً على الحاجة إلى إعادة هيكلة وفلترة في المعلومات التي نقوم ببثها حتى يحاكي الإعلام أفكار هذا الجيل». وأكد الفرم أن «علينا إعادة هندسة الإعلام السعودي، وأن يتم إعادة النظر في أهمية وجود وزارة الثقافة والإعلام، والاستفادة من الدول المتقدمة التي خلقت كيانات إعلامية كبرى»، مشيراً إلى أن هناك «ضعفاً في الكوادر الإعلامية السعودية، وقلة في التدريب وتراجعاً في الأداء المهني، ولهذا علينا أن نقوم بمعالجتها في أسرع وقت ممكن». فيما شنت الدكتورة عزيزة المانع هجوماً لاذعاً على ثقافة المجتمع تجاه المرأة، التي حرمتها، كما تقول، «من أبسط حقوقها والنظرة إليها نظرة دونية ومحاولة ترسيخ أفكار غير منطقية يشع منها روح التعصب في تضييق التطلعات التي تطمح إليها المرأة في المستقبل»، مشيرة إلى أن الحضور «سيتفاجأ من تحويل محور حديثي من الثقافة المتعارف عليها في الأدب والفن إلى التطرق إلى شؤون المرأة ومعاناتها، وتجريديها من أبسط حقوقها في بعض الأنظمة والقوانين». وقالت: «ثقافتنا الاجتماعية خذلت المرأة»، متطرقة إلى بعض التحديات التي تواجه المرأة، مثل «تزييف مفهوم ذات المرأة وما يكتنفها من ضعف وقصور منذ الطفولة، وإنها قاصر مهما كبرت في السن، وأن الرجل أفضل منها في كل شي، وأن تربية أبنائها أفضل من العمل، وهذا خلق شعور بالدونية لدى غالبية النساء». وأوضحت أن المرأة تتعرض للعنف والظلم، «ولكن هناك تسامح من المجتمع لما تتعرض له ويطالبها بالصبر، على رغم أن الموقف الرسمي يدعم المرأة في تحقيق طموحاتها، ولكن مع ذلك ما زلنا نجد من يقوم بتقليص عمل المرأة من بعض المتشددين، كما أن المسؤولين يتقاعسون في تطبيق الأنظمة». وأكدت الدكتورة هتون الفاسي أنه لابد أن «نفرق بين العادات والتقاليد التي خلقها المجتمع عبر عقود ماضية، لتقييد عمل المرأة والحد من حريتها، وبين الأسس التي وضعتها الدولة تجاه المرأة، لأنه لا تزال هناك نظرة قاصرة نعاني منها ونحتاج من المجتمع الاعتراف بأهليتنا القانونية، والمشاركة في جميع المحافل من دون أن يكون هناك تضييق أو تنفير لنا». وفي ختام الندوة تحدث وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، قائلاً إن المجتمع في هذا القرن أمام مواجهات عدة «بسبب الموجة التقنية الحديثة، والتي جعلت من العالم قرية صغيرة وأصبحنا غير معزولين عما يتم طرحه في العالم أجمع»، مشيراً إلى أنه حان الوقت «للاعتراف بالتعددية الثقافية وان نضعها في الحسبان». وأوضح أن الرجل والمرأة «يعتبران على حد سواء، فلا توجد حساسية تجاه طرف معين»، مشدداًَ على «أن اجتماعنا هذا بوجود نخبة من المثقفين والمثقفات تحت سقف واحد دليل على أن قطعنا شوطاً كبيراً في هذه الشأن، من حيث النظرة المتساوية للجميع». وحول شكاوى بعض كتاب الصحف من تدخل وزارة الثقافة والإعلام وتوقيفهم عن الكتاب، قال: «الوزارة لا تتدخل في ما يكتب واننا لم نقم بالاتصال برئيس تحرير للمطالبة بإيقاف كاتب أو تعديل ما يتم طرحه في الصحف». يذكر أنه تم الإعلان في ختام الندوة عن عقد ملتقى للمثقفين، خلال أشهر قليلة، تنظمه وزارة الثقافة والإعلام وسيتم فيها طرح العديد من الأوراق والمحاور من المفكرين والمفكرات، لصياغة رؤية لثقافة وطنية تنسجم مع هذه التحديات التي ذكرتها الندوة.