موجات الغضب التي تجتاح الوطن العربي هي تعبير عن حالة من الوعي الجمعي العربي، تستحق ان تكون موضوع دراسة لفهم العوامل التي حركتها والمنابت التي انطلقت منها (ولندع جانباً اكتشاف الرئيس اليمني على عبدالله صالح، غرفة سرية في تل أبيب، تدير عاصفة الغضب العربية وتقوم بتحريكها وتوجيهها بريموت كونترول من واشنطن لاكتساح المناطق المختارة من هذه الخريطة، لأننا لا نريد ان نتواطأ معه في إسباغ هذا الشرف على دولة «الأنكل سام» ولا صنيعتها الاقليمية دولة العدو الصهيوني ولا ان نقول للرئيس اليمني، مع الهاتفين ترحيباً بما يكتسح الوطن العربي من رياح: مباركة هذه الغرفة التي اطلقت الزوابع العاتية لاقتلاعك من ارض اليمن بعد ثلاثة عقود من الحكم العسكري ودولة اللاقانون، ودعونا ايضاً ننسى ما يقوله عن كونه الرئيس الدستوري للبلاد، فلا شك في انه يعرف ان لا دستور في الدنيا يحل لرئيس من رؤساء الجمهوريات، البقاء الأبدي في منصبه وإسناد مناصب الدولة جيشاً وأمناً وأجهزة تنفيذية وتشريعية لأبنائه وإخوته وعندما ينتفض الشعب ضده يضربه بالرصاص الخارق الحارق والقنابل المحمّلة بغازات الأعصاب والمحرّم استعمالها دولياً). ويمكن ان نذهب الى ما هو اكثر عمقاً وقوة وخطورة من الوعي الجمعي، الى ما يشكل رابطاً عضوياً بين موجات الغضب العربية، فيما هو تحت الارادة الواعية، مختفياً ومطموراً في مجاهل اللاوعي الجمعي العربي، الفاعل في عمق المجتمع، مثل التيارات المتضاربة في الطبقات السفلى من البحر، الذي نرى سطحه ساجياً هادئاً، ثم تصل تلك التيارات الى السطح الساكن بأقصى لحظات عنفها وقوة تفجرها، وقد تحولت الى تسونامي هادر غاضب ثائر، تتقوض تحت ضرباته قلاع الطغيان ومؤسسات القمع والرعب ويتهاوى أرباب الاستبداد والجريمة. وانطلاقاً من المبدأ النبيل الذي ينسب الفضل الى أهله، نقول إن ما كان لهذا التسونامي ان يتحرك، بهذا العنف والقوة، لولا قوة النظام السياسي العربي وعنفه وجبروته، الذي استخدم ببراعة وكفاءة وإتقان تقنيات القهر التي تراكمت عبر العصور، وأجاد تسخير الفتوحات العلمية وإنجازات عصر المعرفة التي استهدفت خير الانسان، وطوّعها بعبقرية لا يقدر عليها الا عتاة المجرمين من الطغاة، لخدمة اهدافه في السيطرة واستعباد المواطنين، وتعزيز ادوات البطش، وإحكام القبضة البوليسية حول أعناق الناس، وإدارة الآلة الوحشية بأقصى قدر من القسوة، وأبلغ درجة من التفنن لقتل كل بادرة حياة تنبض في عروق البشر الذين يحكمهم، وصولاً الى المبتغى الأسمى الذي يريده الطاغية وهو تحويل الشعب الى جثة هامدة (لم يكن غريباً هنا، ان نرى العقيد معمر القذافي، شفاه الله، يظهر على شاشات التلفزيون المحلي والعالمي، بعد اطاحة زميله في الطغيان السيد زين العابدين بن علي، فيطلق قذائف غضبه على الشعب التونسي، لأنه تجرأ في سابقة خطيرة لم يعهدها السيد العقيد تحدث في زمانه العربي، وأطاح رئيس الدولة، الذي كان يجب، كما يرى العقيد، ان يظل رئيساً مدى الحياة، ضارباً المثل بشعبه في ليبيا، الذي رآه النموذج الأعلى للذلة والخنوع والاذعان، او ما سمّاه سلاماً واستقراراً وامتثالاً لطاعة رئيسه العقيد، واثقاً وهو يقول هذا الكلام، من انه في مأمن من المصير الذي حصل للرئيس التونسي، لأنه مدرك انه اجهز على الشعب وأكمل طقوس ذبحه من الوريد الى الوريد، ورماه تحت قدميه جثة بلا حراك، وربما هذا ما يفسر رعب الصدمة التي اصابت الأخ العقيد وهو يرى هذا القتيل المسجى تحت قدميه، الملفوف بأكفانه، يمزق الكفن وينهض في لحظة اشبه بالمعجزة وينشب أظفاره في عنقه). وقد تتفاوت درجة البطش أو العنف الذي تمارسه الانظمة ضد شعوبها، فالقذافي ومن قبله صدام، كانا بالتأكيد اكثر دموية وإجراماً من رفاقهما في الطغيان، ربما لأنهما ايضاً يقودان شعبين أقل تدجيناً والتزاماً، وربما تمديناً بمعنى غلبة البادية والريف، إلا ان آلة القمع واحدة لدى النظام العربي، وأسلوب الحكم الاستبدادي واحد، وكذلك المرض السايكوباتي لدى القادة الانقلابيين وأنظمتهم الجائرة اللقيطة، القائمة على الانقلابات العسكرية، والقيم الهجينة، والشعارات الزائفة الكاذبة، والكلمات الكبيرة الخاوية الفارغة من اي مضمون كالبالونات وفقاعات الصابون، أعني مفردات مثل الحرية والاشتراكية والكرامة الوطنية والوحدة العربية، بينما هي اكثر شقاقاً ونفاقاً من كل انظمة الحكم التي تدّعي القطيعة معها، وتمارس عكس ما تقوله شعاراتها قمعاً للحرية وإهداراً لكرامة الوطن والمواطن وتكريساً للزيف والكذب، وغياباً للأمانة والنزاهة والصدق، بينما سوغت انقلاباتها بأنها ضد الفساد والمفسدين. وهي أكثر تهاوناً في الحق الوطني والواجب القومي بينما جاءت ترفع شعار الوطنية وخدمة القضية القومية (ويعلم القراء قصة انقلاب جاء في العام التاسع والستين من القرن الماضي في السودان يحمل الى الحكم والأضواء ضابطاً بائساً اسمه جعفر نميري، وهي الدفعة نفسها التي جاء فيها آخرون مثل القذافي وصدام والأسد، المهم ان نميرى هذا جاء يطيح جماعة من آباء الاستقلال ورموز الحركة الوطنية من امثال محمد احمد المحجوب وكان رئيساً للوزراء وإسماعيل الازهري وكان رئيساً للجمهورية، بحجة انهما يمثلان نظاماً انهزامياً بسبب قبول حكومتهما قرار الاممالمتحدة 242 الذي لا يضمن التحرير الكامل للوطن السليب، وانتهى قبل عام او عامين من ختام عهده وهو يقوم ببيع يهود الفلاشا الى اسرائيل ويقبض ثمن ما قام به من سمسرة وعمالة، كمثال على فداحة الفرق بين نبل الشعار الذي جاء به، والدرك الاسفل من الانحطاط الذي كان يمارسه). لا حدود للزيف لدى هذه الانظمة بل لا حدود للفجور، وبمثل ما جاء نميري هذا وانتهى، يأتي الطاغية منهم من الظلام ويموت عائداً الى الظلام، لأن لا تاريخ له، ولا سجل يمكن ان يقدم به نفسه لمواطنيه، وإن كان سجلاً يتنكر له في ما بعد كما في حالات الطغاة الكبار الذين عرفهم العالم، فهناك سجل لستالين وسجل قبله لأستاذه لينين، وسجل لماوتسي تونغ، وكذلك لهتلر وموسوليني وفرنكو، وسالازار وبيرون وكاسترو، وعشرات الطغاة ممن بدأوا مسيرة نضالية اتاحت لهم اكتساب شعبية اوصلتهم الى الحكم، ومن هناك بدأوا مسيرة الطغيان، غير هؤلاء القادمين من طريق الانقلابات العسكرية، فارضين انفسهم على الشعوب بقوة السلاح، مدّعين انهم جاؤوا لإنقاذ البلاد من حكم جائر، فإذا بهم اكثر جوراً. وأقرب مثال أسوقه للقارئ الكريم على فجور قادة الأنظمة الانقلابية هو مثال الرجل الذي يرى امرأة تتعرض لهجوم مجرم يريد اغتصابها فيبدي شهامة لتخليصها من المجرم، وبدل ان يتركها تمضي في طريقها يأخذ هو مكان هذا المجرم سطواً واغتصاباً. وتحت وطأة الاستبداد الذي نعانيه من هذه الانظمة، نذهب للبحث عن عزاء في سالف الأزمنة، فندهش عندما نجد ان قلادة الاستبداد العربي بنجومها التي يتلألأ سوادها اللعين تحت اضواء القرنين العشرين والواحد والعشرين، ليست لها أشباه ولا أنداد في الإجرام والقمع على مر التاريخ، وأن انظمة الطغيان القروسطية، كانت افضل من هذه الانظمة اللقيطة المولودة على ارصفة العصر الحديث، وأقل منها ظلماً وظلاماً ورعباً، لأنها لم تكن تستطيع ان تجد تقنيات وأجهزة وعلوماً تساعدها في مطاردة مواطنيها وكسر ارادتهم وإرغامهم على القبول بواقع المذلة والهوان كما هي حال الأنظمة القمعية في العصر الحديث. ويستطيع معارض للحاكم ان يختفي في دغل او غابة، فلا يجد جلاوزة النظام اليه سبيلاً، أما مع انظمة اليوم المسلحة بتقنيات العصر فلا ارض ولا بحر ولا سماء يمكن ان تنجي المعارض من شر طاغية بلاده، فآلات الرصد والملاحقة وأسلحة الصيد والرماية وعدسات التصوير ولاقطات الصوت، تستطيع الوصول الى أي خصم في اي مكان، والشاهد على ذلك ما فعله القذافي مع خصومه الذين طاردهم في اقصى بلاد الارض، بمن فيهم طالب من طرابلس يدرس في الغرب الأميركي اسمه فيصل الزقلعي، لم يفعل اكثر من ان أبدى رأياً مخالفاً في صحيفة جامعية في ذلك الركن البعيد من خريطة اميركا، وكان اقصى ما يمكن دولة ان تفعله قطع منحته الدراسية، لكن الأخ العقيد يفعل ما لا يقدر الآخرون على فعله، وذلك بأن قامت اجهزته باستئجار قتلة اميركيين يذهبون الى الطالب في بيته أثناء الليل، ويفرغون رصاصهم في جسده، وقد حدث هذا في 14 تشرين الأول (اكتوبر) 1980، كما أنفق القذافي وفق قوله، مبلغ 200 مليون دولار لجلب معارض من المغرب الاقصى هو زميله الذي انشق عليه المرحوم عمر المحيشي، وكان هو في انتظاره في المطار عندما وصل يرسف في أغلاله، ليصب عليه جام غضبه ركلاً وصفعاً وشتماً. وتقول الرواية، ان رصاصات من مسدس احد الحراس أجهز على هذا المعارض في المكان ذاته، وتخفيفاً من قتامة الجرائم التي يرتكبها الطاغية العربي أسوق هذه الاغنية المتوارثة من ممالك القرون الوسطى في بريطانيا تقول: بسبب افتقاد مسمار لحدوة الحصان ضاعت الحدوة وبسبب افتقاد الحدوة ضاع الحصان وبسبب افتقاد الحصان ضاع الفارس وبسبب افتقاد الفارس ضاعت المعركة وبسبب ضياع المعركة ضاعت الدولة وكله حدث بسبب افتقاد مسمار لحدوة الحصان وهكذا كان بؤس دول الماضي وسادتها الذين يحكمون رقاب البشر بالحق الإلهي، مع ذلك يضيعهم ويضيع ممالكهم الاحتياج الى مسمار لحدوة حصان، وهي الاغنية الفولكلورية التي اوحت لشكسبير تأليف مسرحيته عن الملك جورج الثالث الذي يخرج صائحاً في احد مشاهد المسرحية «مملكتي مقابل حصان» لأنه يعرف ان ضياع الحصان في المعركة يعني ضياعه وضياع المملكة، فكان مستعداً لأن يفقد المملكة مقابل النجاة بحياته، فأين اولئك الملوك وتلك الممالك مما نرى الآن من طغاة الانظمة الانقلابية العربية وقد تحركت الشعوب ترفضهم وتقدم التضحيات آلافاً من الشهداء على مذبح الوطن المطالب بخروجهم فيتمترسون في قصور الحكم جالسين فوق جماجم المواطنين، والدماء تسيل بحيرات تحت أقدامهم. لم يتقوض بفضل تسونامي الغضب العربي غير نظامين وحاكمين في مصر وتونس حتى الآن، بانتظار ان تتقوض بقية انظمة الاستبداد في كل من ليبيا واليمن على وجه اليقين، وربما تلحق بهما كل من سورية والجزائر والسودان، وصولاً في ما بعد الى انظمة أخرى تهتز بفعل تأثيرات التسونامي. وعلى رغم ما تم الكشف عنه من فضائح الحكم ورذائله ومفاسد في كل من مصر وتونس، وما صار مكشوفاً ومعروفاً من نهب واستباحة للمال العام وانتهاك للحريات والحرمات، وقهر وتعذيب للمواطنين في السجون، فإن صفحات كثيرة لا تزال مطوية وقضايا رعب وجريمة لم يرفع عنها الستار في هذه الانظمة التي تقوضت وانتهت، ولا يعلم الا الله ما هي المشكلة في اخراج ما خفي من جرائم هذين العهدين (فلم يقل لنا احد إلى الآن، كيف اختفى الصحافي والكاتب والمحلل السياسي في «الأهرام» رضا هلال، وقد اخفاه امن الدولة في مصر، وهو في طريق عودته الى بيته الموجود في شارع القصر العيني في وسط القاهرة، ولم نسمع ايضاً عن التدابير الذي قام بها جهاز امن الدولة ذاته في جريمة تسليم اثنين من الخصوم السياسيين للقذافي، هما عزات المقريف وجاب الله مطر، وقد أخذهما الجهاز من بيتهما في القاهرة وسلّمهما للقذافي في ليبيا، كما لم نعرف حتى الآن اي معلومة عن جريمة إخفاء الزعيم السياسي الليبي المعروف الذي كان في زيارة الى مصر، منصور الكيخيا، وللجهاز نفسه دور في اخفائه، وللرئيس المصري ثمن تقاضاه بالملايين كما تؤكد مصادر المعارضة الليبية مقابل هذه الصفقة). حكمت هذه الأنظمة الإجرامية ذات المنشأ الدنيء، بأساليب هجرها العالم منذ قرون، وانطلقت امم وشعوب العالم الأخرى في دروب الحرية، تمتلك مقدراتها وتقرر مصائرها وتساهم في ادارة مجتمعاتها ويصبح المواطن فيها سيد حاضره ومستقبله، بينما استولى على مقدرات هذه الشعوب العربية طغاة مستبدون لم يتركوا للمواطن خرم إبرة يتنسم منه الهواء النظيف، فقد كمموا الأفواه وأغلقوا الحناجر بالطين وسدّوا الآذان والعيون لكي يبقى الإنسان في هذه الأرض فاقد الحواس بصراً ونطقاً وسمعاً وشماً ولمساً قريباً لتلك الصورة التي رسمها المتنبي للرقيق في عهده عندما يتكلم عن اذنه وهي في يد النخاس دامية وقدره وهو بالفلسين مردود، مواطن بلا حيثية ولا كيان ولا قدر ولا معنى بلا ماض ولا ذاكرة ولا حاضر ولا مستقبل. (وهناك حسبة يحسبها الليبيون لرئيسهم القذافي، الذي صادر حياة كل واحد منهم ليضيفها الى حياته، يتصرف بها كما يشاء ويعيشها كما يريد، فيعتبرون ان العقيد القذافي عاش الآن اكثر مئتي مليون سنة، هي حاصل ضرب سنوات حكمه في معدل عدد المواطنين الذين اغتصب حياتهم وأعمارهم وعاشها نيابة عنهم). لقد دشن ضابط من سورية اسمه حسني الزعيم، عصر الانقلابات في عالمنا العربي بانقلابه المشؤوم عام 1949 الذي اطاح زعيماً تقليدياً منتخباً هو شكري القوتلي، رحمه الله، الذي جاءه وهو معتكف في بيته، فلاح من اهل الغوطة اسمه ابو حيدر، لا يعرف زعيماً في البلاد غير شكري القوتلي، وسأله ان يتدخل لرفع الأذى عنه من احد موظفي المكوس، قائلاً له انه لا يملك في هذه الدنيا إلا اثنين يعتمد عليهما، اولهما الله في السماء، وثانيهما شكري بيك فوق الأرض، فأجابه شكري القوتلي وقد كان معتقلاً في بيته ممنوعاً من الخروج: «والله يا ابو حيدر، انت معتمد على اثنين لم يعد لهما اي اعتبار او احترام في هذا الوطن»، لأن مع دخول الانقلابات، هجر الله هذه البلاد وتركها للأسف الشديد للشياطين تعبث بها. واستهل هذا الانقلاب عصر البلطجة والزعرنة والحكم الفردي والزعيم القادم من الظلام بأجندة مصنوعة في الظلام معتمداً على أمير الظلام وسيده الأكبر وما معه من خدم وأعوان، واستخدم هذا الزعيم الانقلابي أحقر الاساليب في معاملة اهله لم يجرؤ حكام استعماريون على استعمالها (وأضرب مثلاً بليبيا، فأقول انها عانت من استعمار ايطالي استيطاني، قابل شراسة المقاومة والنضال بشراسة اكبر منها وهي تلك التي اكسبت الجنرال جرسياني لقب جزار ليبيا، وجاء بعده الوالي الشهير ايطالو بالبو وقد انتهت المقاومة، فاتبع سياسة اخرى للاحتواء والاستيعاب ولم يعدم في عهده الذي استمر سبع سنوات اي مواطن ليبي بعكس عهد الفاتح العظيم الذي تمثلت عظمته بعدد من يقوم بإعدامهم كل عام، وأقام بالبو من الابينة والعمران في فترته القصيرة ما لم يقم به نظام الفاتح العظيم خلال اربعة عقود وبكل ما تراكم لديه من ثروة النفط، لأنه لم يكن عظيماً إلا في الدمار والفوضى، والأمر الأكثر فداحة وعاراً، انه جاء في الاربعينات عهد الانتداب البريطاني، فأباح الحاكم بلاكلي الحريات العامة والخاصة وأعطى حق تأسيس الاحزاب السياسية وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني وأطلق حرية الصحافة في شكل يصبح معه هذا العهد الكولونيالي الذي استمر عشر سنوات، حلقة ذهبية في جوار قمع واستبداد وقهر الفاتح العظيم باعتبار ما ابداه من عظيم البلاء في قهر المواطنين). وها نحن اليوم، شكراً للسماء، صرنا نرى هذا النظام العربي وقد بدأ يتقوض وينهار بأيدي الضربات القوية لأبناء الشعب العربي، وشبابه الأحرار، الذين عاشوا في ظله وتربى جيلهم تحت قبضته الحديد التي ظنت انها اعتصرته وحطمت نخوته وقتلت روح المبادرة والتحدي في نفسه، بعد ان نجحت في العبث بكل الموارد الروحية والمعنوية والمادية لهذا الوطن العربي، الذي يعتبره العالم وريث حضارات قديمة اضاءت اركان الأرض الأربعة ذات يوم بعيد، وهبطت به الى الحلقة السابعة من حلقات جحيم دانتي، وهي اسفل الحلقات وأكثرها عذاباً ومقتاً، وقد خصصها الشاعر العبقري لأهل العنف والجريمة واستباحة الدم البشري من امثال هؤلاء الطغاة. * روائي ليبي