نزل عشرات الآلاف من الزيمبابويين الى شوارع العاصمة هراري للمطالبة باستقالة الرئيس روبرت موغابي الذي تخلى عنه تدريجياً الجيش ورفاقه القدامى، إضافة الى حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي - الجبهة الوطنية الحاكم. وبخلاف ما حصل العام الماضي حين قمعت قوات الأمن حركة تمرد ضد حكم موغابي، حصل التحرك الشعبي على دعم الجيش الذي سيطر على البلاد الأربعاء الماضي، ووضع موغابي الذي يتولى السلطة منذ 1980 في الإقامة الجبرية. لكن الجيش منع المتظاهرين من التوجه الى القصر الرئاسي في هراري، للمطالبة باستقالة موغابي، فيما قال باتريك تسويو، ابن أحد أشقاء موغابي، من موقع لم يكشفه في جنوب أفريقيا، أن «الرئيس وزوجته غريس مستعدان للموت من أجل ما هو صحيح، ولا يعتزمان التنحي لإضفاء الشرعية على انقلاب عسكري». وقبل التوجه الى القصر، سار رجال ونساء وأطفال الى جانب الجنود والمدرعات في مشاهد شابهت سقوط ديكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو عام 1989، وألقوا عليهم التحية وصافحوهم وعانقوهم وغنوا ابتهاجاً بسقوط الرئيس موغابي. ورفع بعضهم صور رئيس الأركان الجنرال كونستانتينو شيوينغا الذي يدعم التظاهرات بالكامل، إضافة الى صور نائب الرئيس إيميرسون مانانغاغوا الذي عزل من منصبه قبل أسبوع، ما جعل الجيش ينفذ الانقلاب الأبيض ضد موغابي. وكتب متظاهرون مبتهجون من السود وأيضاً من البيض الذين تندر مشاركتهم في تحركات مماثلة، على لافتات لوحوا بها: «طفح الكيل. يجب أن يستقيل موغابي» و «ارقد بسلام يا موغابي» و «لا لسلالة موغابي». وقال المتظاهر كلفين شونهياوا الذي لوّح بعلم زيمبابوي: «أنا في الثلاثين من العمر، ولكنني لم أعمل أبداً، بسبب نظام موغابي، لذا نطالب بالتغيير»، علماً أن حوالى 90 في المئة من الشعب يعانون من البطالة. أما ايما موشينجي (37 سنة) فصرحت وسط صخب الأبواق الذي يصمّ الآذان: «انتظرنا فترة طويلة هذا اليوم»، بينما قال فرانك موتسينديكوا (34 عاماً): «هذه دموع الفرح. نحن أحرار أخيراً». وشارك في التظاهرات أيضاً ستيفانوس كرينوف، المزارع الأبيض الذي طرد في إطار الإصلاح الزراعي المثير للجدل الذي أطلقه موغابي عام 2000. وقال: «منذ فترة طويلة لم يحصل شيء مماثل، أي أن نكون معاً» (الأكثرية السوداء والأقلية البيضاء المتحدرة من أحفاد المستوطنين البريطانيين). والجمعة، أبدى الجيش ارتياحه لتحقيق «تقدم كبير» في عملية التطهير التي ينفذها ضد مقربين من الرئيس وزوجته غرايس التي سعت الى إسقاط ايمرسون مانانغاغوا (75 سنة) الذي أصبح منافساً بارزاً جداً في سعيه الى خلافة الرئيس. ونفذت حملة نشطة لتشويه صورة مانانغاغوا، ما جعلها المحفز الأول للأزمة السياسية الحالية. وفيما يرجح أن يلقي سقوط موغابي بظلاله على أنحاء أفريقيا التي يوجد بها زعماء أقوياء يواجهون ضغوطاً متزايدة من أجل التنحي، وبينهم يوويري موسيفيني رئيس أوغندا، وجوزف كابيلا رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية، قال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما في دربان: «أفريقيا ملتزمة بدعم شعب زيمبابوي»، لكنه أبدى تفاؤلاً حذراً من إمكان حل الأزمة في البلاد في شكل ودي. وبالنسبة الى بعض الأفارقة، يظل موغابي بطلاً قومياً وآخر زعيم استقلال في القارة ورمزاً للتخلص من قهر الاستعمار الذي دام عقوداً. لكنّ كثيرين في الداخل والخارج يعتبرونه ديكتاتوراً استخدم العنف للاحتفاظ بالسلطة، وتسبب في انهيار اقتصاد اعتبر واعداً ذات يوم.