نفذ الجيش في زيمبابوي «حركة تصحيحية» غير دموية، أنهت عملياً عهد الرئيس روبرت موغابي الذي يُعتبر أقدم حاكم في العالم. وحرص الجيش على تأكيد أنه لا يقود انقلاباً عسكرياً، معلناً استهدافه «مجرمين» محيطين بالرئيس، لكن المعارضة أعربت عن أملها بأن يسفر تدخله عن «تأسيس دولة مستقرة وديموقراطية». ونالت غالبية الدول الأفريقية استقلالها أواخر ستينات القرن العشرين، لكن زيمبابوي التي حكمها مستوطنون بيض باسم روديسيا، لم تتحرّر حتى العام 1980 بزعامة موغابي، الذي تولى الحكم بعد قيادته حرب عصابات، وأمر بعد عقدين بمصادرة المزارع المملوكة للبيض. وكان التراجع في الإنتاج الذي تلا ذلك من أسوأ الانكماشات الاقتصادية في العصر الحديث، فبحلول 2007- 2008، بلغ معدل التضخم 500 بليون في المئة. واتهم موغابي بريطانياوالولاياتالمتحدة بتخريب بلاده لإركاعها، واستخدم أنصاره العنف لقمع المعارضة المحلية. واستقرّ الاقتصاد لفترة وجيزة، بين عامَي 2010 و2014، عندما أُرغم موغابي على قبول حكومة تقاسمت الحكم مع المعارضة، ومنذ ذلك الحين انتعش الاقتصاد. في العام الماضي، أدى نقص مزمن في الدولار إلى طوابير طويلة خارج المصارف، ونفدت السلع المستوردة وبلغ التضخم 50 في المئة شهرياً. وكانت زيمبابوي اضطرت إلى التخلي عن عملتها الوطنية عام 2009 وأبدلتها بالدولار الأميركي، علماً أن نسبة البطالة فيها تتجاوز 90 في المئة. وأشعل تدهور الوضع الصحي لموغابي (93 سنة) صراعاً على خلافته، فيما أثار صعود زوجته غريس، التي تصغره ب41 سنة، وتكهنات باحتمال خلافتها زوجها، إلى نزاع على السلطة، لا سيّما بعدما قادت جناحاً في الحزب الحاكم يُعرف ب «جي 40» ويضمّ أعضاء شباناً، بينهم وزراء، ما أغضب الجيش بقيادة رفاق سابقين لموغابي في حرب العصابات التي انتزعت الاستقلال من بريطانيا، والذين تمتعوا بامتيازات إلى سنتين، عندما تزعّموا انتقادات لإدارة موغابي اقتصاد البلاد. شرارة تحرّك الجيش بدأت بعدما طرد موغابي نائبه إمرسون منانغاغوا الأسبوع الماضي، ما يمهّد لترؤس غريس (52 سنة) البلاد. وأصدر قائد الجيش الجنرال كونستانتينو شيوينغا بياناً اعتُبر سابقة، إذ حذر من أن الجيش قد «يتدخل» إذا لم يوقف حزب «زانو- بي أف» الحاكم حملة «تطهير» في صفوفه. وردّ الحزب متهماً شيوينغا ب «الخيانة»، معتبراً أن سلوكه «هدفه التحريض على تمرّد». وبعد 24 ساعة على تهديد شيوينغا بالتدخل، انتشر جنود في العاصمة هراري وسيطروا على هيئة البث الرسمية، وأغلق جنود في مصفحات الشوارع المؤدية إلى المصالح الحكومية الأساسية والبرلمان والمحاكم. وسُمع ليلا ًإطلاق نار قرب المقرّ الخاص للرئيس، فيما هزّت ثلاثة انفجارات وسط العاصمة. وتلا الجنرال سيبوسيوي مويو، مسؤول الشؤون اللوجيستية في الجيش، بياناً موجّهاً إلى الأمّة على التلفزيون الرسمي ورد فيه: «هذا ليس انقلاباً عسكرياً على الحكومة. نودّ أن نطمئن الأمّة إلى أن فخامة الرئيس وعائلته بخير وأمان وسلامتهم محفوظة. «نستهدف المجرمين المحيطين به (موغابي) الذين يرتكبون جرائم تسبّب معاناة اجتماعية واقتصادية في البلاد، من أجل تقديمهم إلى العدالة. نتوقّع أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها عندما نستكمل مهمتنا». وقد يكون مويو يشير إلى جناح «جي 40» الذي اتهم زعيمه قائد الجيش بالخروج على الدستور، علماً أن مسؤولاً حكومياً أعلن أن الجيش أوقف وزير المال إغناتيوس تشومبو، وهو عضو بارز في هذا الجناح. وقال كريس موتسفانغوا، زعيم رابطة قدامى المحاربين في حرب التحرير، التي تتمتع بنفوذ ضخم في البلاد: «هذه حركة تصحيح لدولة كانت على حافة هاوية. إنها نهاية فصل مؤلم وحزين جداً من تاريخ دولة شابة سلّم الديكتاتور الذي يحكمها بعدما كبر في السنّ، الأمور لعصابة من اللصوص المحيطين بزوجته». ودعت «حركة التغيير الديموقراطي» المعارضة، إلى عودة الديموقراطية الدستورية، معربة عن أملها بأن يقود التدخل العسكري إلى «تأسيس دولة وطنية مستقرة وديموقراطية وتقدمية». ويُلقب منانغاغوا ب «التمساح»، وأفادت وثائق استخباراتية بأنه كان يعتزم إنعاش الاقتصاد، من خلال إعادة آلاف من المزارعين البيض الذين طُردوا من أراضيهم منذ 20 سنة، وإصلاح العلاقات مع مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكان قائد الجيش زار بكين الأسبوع الماضي، لكن الخارجية الصينية أكدت طابعها «العسكري العادي». ونصحت الولاياتالمتحدةوبريطانيا رعاياهما في زيمبابوي بالبقاء في منازلهم بسبب «غموض سياسي»، فيما أعلن رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، أحد أبرز حلفاء موغابي، أنه تحدث إليه هاتفياً أمس، مشيراً إلى أنه «لمّح إلى إخضاعه لإقامة جبرية في منزله، لكنه قال إنه بخير». واعتبر رئيس الاتحاد الأفريقي ألفا كوندي، أن الأزمة في زيمبابوي «تبدو مثل انقلاب»، داعياً إلى «استعادة النظام الدستوري فوراً». وحضّ الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف على «الانتقال من المواجهة إلى الحوار، للتوصل إلى تسوية سلمية» للأزمة. وأعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أنه يجهل هل سيسقط موغابي، مستدركاً بوجوب ألا تبدل زيمبابوي «ديكتاتوراً غير منتخب» بآخر.