من حق قناة «الدنيا»، أو من واجبها، الإلتزام بالرؤية السورية الرسمية، في ما يخصّ الأحداث الدامية التي تشهدها سورية. وبما أن الرئيس السوري في كلمته أمام مجلس الشعب، أكَّد بوضوح على وجود «فتنة»، اختلطت عمداً مع عنصري «الإصلاح»، و«الحاجات اليومية»، واعتبر أن مواجهة الفتنة «واجب وطني وأخلاقي وشرعي»، فمن المنطقي أن تتجه وسائل الإعلام السورية لترجمة هذا الكلام سياسة ومنهجاً تلتزمه في أدائها. ولكن ما هو ليس من حق قناة «الدنيا»، أبداً، أن تعمم مقولة «الفتنة»، على مشارق الأرض العربية، ومغاربها، مُوجِّهة أصابع الاتهام إلى الثورات الباهرة، التي شهدتها تونس ومصر وليبيا، واضعة إياها كلها ضمن خانة «الفتنة» ذاتها، وتحت عنوانها العريض، وفي سياقاتها. مع تصاعد الأحداث في سورية، عمدت قناة «الدنيا»، إلى بث «برومو» غرافيكي، يتحدث عن «الفتنة» باعتبارها سلسلة من العمليات المتتالية، والمتنقلة من بلد عربي إلى آخر. فالعملية بحسب ال«برومو» تمَّت، في كل من تونس ومصر، وهي قيد الإنجاز، في كل من ليبيا واليمن. لينتهي «البرومو» إلى سورية، حيث حدث خطأ، أوقف العملية، وحطَّم «الفتنة»!.. وعلى رغم أن الذكاء خان مُنجز هذا البرومو، على الأقل باعتماده العلم الوطني، لكل بلد، قاعدة أو خلفية للعملية، فإن مما لا يمكن المرور عليه، ببساطة، هو الاتهام الخطير لثورة شباب تونس، وثورة 25 يناير، ونضالات الثوار في ليبيا، واعتبارها كلها أدوات فتنة، الفتنة التي ستتحطم على صخرة سورية! يمكن للمرء أن يصدق حقيقة أن سورية مستهدفة بالفتنة، لأسباب تتعلق بمواقفها الوطنية والقومية، أو لاحتضانها المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس، الجهاد)، أو دعمها اللامحدود ل «حزب الله»، أو بسبب تحالفها العميق مع إيران.. ولكن كيف للمرء أن يصدق استهداف نظامي بن علي، وحسني مبارك، بالفتنة ذاتها، لا سيما إذا استذكرنا تحليل التلفزيون السوري الرسمي، الذي اعتبر، حينها، أن سقوط نظام بن علي كان بسبب ممالأته الغرب، كما اعتبر أن سقوط نظام مبارك، ما هو إلا سقوط لنظام «كامب ديفيد». عبر هذا البرومو تنلقب قناة «الدنيا» على التلفزيون السوري الرسمي، وتقدم تحليلاً مغايراً، عنوانه الفتنة الجوّالة من بلد عربي إلى آخر. وهو الأمر ذاته الذي قام به التلفزيون السوري الرسمي، إذ يبدو أنه انقلب على تحليله السابق، وذهب نحو زجّ كل الثورات الشعبية العربية، التي حصلت خلال الأشهر الماضية، في خانة «الفتنة» الجوّالة ذاتها. فعلى الشاشة السورية الرسمية، سيظهر مدير مركز التدريب التلفزيوني والإذاعي، وهو معاون سابق لوزير الإعلام السوري، ليثير أسئلة مُشكِّكة بهذه الثورات. أسئلة، مثل: من كان يُطعم المعتصمين في ميدان التحرير؟ ومن الذي يطبع الأعلام للثوار في ليبيا؟ أسئلة لا تنطوي إلا على اتهام خطير للآخرين، ولا تفيد الشأن السوري بشيء، في مواجهته للفتنة. لا تواجه «الفتنة» بالخلط... بل بالكشف.