لا أحد يدري على وجه الدقة ما الذي يجري في سوريا، فهي ثورة غريبة مقارنة بباقي الثورات العربية، بل بباقي الثورات في كل أرجاء الدنيا، فلم تشهد الميادين الشهيرة مظاهرات بالمعنى الحقيقي للمظاهرات، وهذا متوقع في ظل جبروت النظام وبطشه، ولذا فقد كان ينقل لنا صورا لمجموعة من المتظاهرين، يحملون لافتات تندد بالنظام وتشجب أفعاله، وغالبا كانت هذه الصور تنقل بكاميرا الجوال، ثم قيل لنا -من قبل زملاء سوريين يعيشون الواقع هناك- إن هذه المجموعات تتفق فيما بينها للخروج في مكان معلوم، ومن ثم ترسل الصور للفضائيات لبثها، والتعليق عليها، وهذه تظل شجاعة غير عادية، اذا أخذنا في الاعتبار ما يفعلة النظام بمن يتم القبض عليه من الثوار. في زمن الثورات، والربيع العربي كانت الفضائيات التلفزيونية خارج بلاد الثورات هي سيدة الموقف، فما تنقله هو الحقيقة المطلقة، وكان حماس المواطن العربي المحتقن، والغاضب، وتسارع الأحداث لا يتيحان المجال لأحد أن يتوقف، ويتساءل عما يجري، رغم كل المتناقضات، ورغم حديث الإعلام التقليدي المحايد عن صور أخرى من الواقع، فلم يكن أحد على استعداد لأن يوصم بأنه ضد الحراك الثوري المشتعل، ولا زلنا نذكر أن التلفزيونات الرسمية في مصر وتونس واليمن وليبيا كانت تنقل لنا مشاهد مختلفة لما يجري، ولكن في زمن الثورات لم يكن المزاج العربي الشعبي على استعداد لأن ينظر إلى أي صورة، أو يقرأ أي خبر خارج إطار الثورات. لعلكم تدركون الآن أن الصورة أصبحت أوضح من عين الشمس في رابعة النهار، فما يجري هو إحلال لحركات الإسلام السياسي في مواقع السلطة في بلاد الثورات، وسط دعم غربي لم يسبق له مثيل، ولو تأمل المتابع المشهد بعقلانية منذ البداية لما تفاجأ بذلك، فبعد أن تنحى مبارك، أو تمت تنحيته، لا يهم ذلك الآن، وصل الشيخ يوسف القرضاوي في الجمعة التالية إلى القاهرة، وسط ترحيب حار من كل القوى الفاعلة، بما في ذلك الجيش المصري!، ثم ألقى خطبة عصماء في ميدان التحرير، رسم من خلالها المشهد القادم بكل وضوح، فلماذا أتى الشيخ؟، ومن الذي أتى به؟، ثم بأي صفة قدم؟، وهي أسئلة لم يطرحها أحد في حينها، فقد كان بريق الثورات، وضجيج الفضائيات المحايدة يطغى على كل شئ، وهي ذات الفضائيات التي استضافت الشيخ صفوت حجازي ليحكي عن المعجزات التي حدثت أيام الثورة، بما في ذلك الشهيد الذي كانت تفوح منه رائحة المسك، وهو ربما ذات المسك الذي كان يتعطر به الشيخ صفوت أثناء لقائه مع السيد أحمد منصور!. وعودا إلى ثورة سوريا، فقد تطور الحراك الثوري كما ونوعا، بعد أن تحول النشاط من التظاهر إلى القتال بين جماعات الثوار والنظام، وبات واضحا أن سوريا أصبحت مسرحا لاستعراض القوة بين القوى العالمية، فالصورة التي أريد رسمها هي أن الغرب يدعم الثوار، في مقابل دعم روسيا والصين للنظام، هكذا بكل بساطة، وكأن هذا الغرب لم يتفق مع روسيا والصين على دك النظام الليبي في ساعات!، وفي ظل هذا التقاعس في نصرة ثوار سوريا، فإنهم سيظلون يرددون: «ما لنا غيرك يا الله».