«سورية تملك المؤهلات لتصبح سنغافورة الشرق الأوسط»، يقول الأستاذ جهاد الخازن. وتجربة الدراما السورية على الأقل بنهوضها المميز، وتقدّمها الباهر، يمكنها أن تدفعنا الى القول إن سورية أيضاً تملك المؤهلات لتكون لديها نخبة من أفضل التلفزيونات، في الفضاء العربي. ولكن، بين التلفزيون الرسمي السوري، الذي يلذّ له تسمية نفسه ب «التلفزيون العربي السوري»، وقناة «الإخبارية السورية»، التي ما زالت تخوض تجربة البث التجريبي تحت مسمى قناة غير رسمية، و«الدنيا» التي يمكن القول إنها القناة غير الحكومية الوحيدة التي تبث من الأراضي السورية، فإن الواقع يشير إلى خلاف الممكن، والمتوقع. الأكيد أن الحال السورية مختلفة عما شهده العالم العربي في تونس ومصر، ويشهده الآن في ليبيا واليمن... بعدما كانت أسماع الجميع تتجه نحو التقاط كلمة «التنحي» من فم الرئيس التونسي، ومن ثم الرئيس المصري، وتنتظرها الآن من فم الرئيس اليمني، والعقيد الليبي، فإن الأسماع ذاتها كانت تنتظر من فم الرئيس السوري كلمات محددة، من طراز: الإصلاح، إلغاء حال الطوارئ، مكافحة الفساد، إطلاق المعتقلين... قانون الإعلام، وكلمات أخرى، لا علاقة لها بكلمة «التنحي» أبداً. لذلك يبدو أن التلفزيون العربي السوري، تنكّب مهمة نافلة، كما تفعل قناة «الدنيا»، هي إثبات الولاء والوفاء للرئيس، ونهجه، وسياساته، ومواقفه... هي مهمة لا علاقة لها بأساسيات وجوهر ما يحدث في سورية الآن. فإذا كان ثمة إجماع شعبي، على ضرورة «الإصلاح»، ولا حديث عن سحب الثقة من الرئيس السوري الذي يحوز على دعم شعبي سوري، وتأييد رسمي عربي، فلماذا يذهب التلفزيون السوري، الحكومي والخاص، للقتال على جبهة غير مفتوحة أصلاً؟ لم تستطع شاشة التلفزيون السوري، الحكومي والخاص، وعلى رغم نزيف الدم، عقد موعد محدد مع المشاهد السوري، أو العربي، يمكنه أن يوافيها به، فيسمع منها، ويكتشف معها، ويناقش، مجريات الحال السورية، الراهنة والمنتظرة والمأمولة، كما يحصل في برنامج «العاشرة مساء»، مثلاً، على قناة «دريم» الثانية، أو كما كان يحصل في برنامج «مصر النهارده»، على القناة المصرية. يحتاج المشاهد السوري والعربي، معاً، لبرنامج واحد، على الأقل، يستضيف خبراء في الاقتصاد، يناقشون، بعمق وعلمية، معضلات الاقتصاد السوري، وسبل الخروج من أزماته... ويستضيف أيضاً خبراء في القانون، يوضحون، بصراحة ودقة، مأساة حال الطوارئ، وفوائد إلغائها، وانعكاساتها على الحياة... ويستضيف خبراء استراتيجيين يكشفون، بالمعلومات والوقائع، موضوع «الفتنة»، ويفضحون مراميها. نحتاج، أن نرى الصورة في مكان الحدث، وأن نسمع صوت العقل المنفتح. هذه هي المهمة الحقيقية للشاشة.