ليس أمضى من الشعر سلاحاً لمواجهة الإرهاب المعاصر وفضح العنف في أشد أشكاله وحشية. ولطالما مثّل الشعر منذ فجر التاريخ صرخة الفرد والجماعة ضد الظلم والظالمين. وفي الذكرى الثانية للهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وأسفرت عن سقوط 130 قتيلاً وعدد كبير من الجرحى، استرجع معهد العالم العربي بالتعاون مع «دار الشعر» وفي إطار مهرجان «باريس بالأحرف والآداب»، تلك الفاجعة التي لم تشهد فرنسا ما يوازيها منذ الحرب العالمية الثانية، موجّهاً تحية إلى الضحايا الذين سقطوا تحت نار الإرهاب والغدر، لكن شعرياً وطوال ليلة أمس. وفي هذه الأمسية، التقى شعراء عرب وفرنسيون وفنانون، من موسيقيين ومغنين وراقصين، ليحيوا الذكرى الأليمة، متخطين الآثار التي تركتها في الذاكرة والوجدان الفرنسيين. إنها ليلة «بيضاء» وفق العبارة الفرنسية، ليلة الشعر والموسيقى والغناء، انطلقت في السابعة مساء، وعاش الجمهور خلال ساعاتها الاثنتي عشرة، قراءات شعرية متواصلة تخللها غناء وعزف موسيقي ورقص. ومعظم القصائد التي ألقاها الشعراء باللغتين العربية والفرنسية تستوحي المشهد المأسوي مع دعوة إلى الأمل الذي لا بد منه، والذي يكمن أصلاً في جوهر الشعر بصفته دعوة إلى الحياة واحتفالاً بها. وكذلك الأغاني واللوحات الراقصة استرجعت لحظات الرعب والخوف منتصرة عليها عبر الفن. كان لا بد من هذه الليلة الشعرية والفنية البيضاء، فهي تظاهرة ثقافية في جوهرها تشرّع الأبواب أمام الحوار والسلام، وتؤكد هيمنة البعد الإنساني على العلاقات التي تجمع البشر وانتصار الخير على الشر المستشري في العالم. شعراء عرب شاركهم الشاعر والروائي الأفغاني المشهور عتيق رحيمي، جاؤوا من بيروت وتونس وفاس والجزائر وقسنطينة وجدة والرياض والدوحة والخرطوم، وشعراء فرنسيون تبادلوا إلقاء القصائد والصعود إلى المنبر في قراءات يحلّقون عبرها في سماء الشعر وكل على طريقته وفي لغته. أما الموسيقيون والمغنون، خصوصاً مغنّي الراب المقبلين من المغرب العربي، والراقصون، فقدموا طوال هذه الليلة أعمالهم ولوحاتهم ودارت بينهم حوارات فنية كأن يتحاور الشعر والموسيقى أو الغناء والرقص، عازفو الفلوت ومغنو الراب مثلاً أو الشعراء والراقصون، غارفين جميعاً من معين الفن المعاصر ليقدّموا مشاهد وقراءات ملؤها الحيوية والجمال. خمسون شاعراً وفناناً التقاهم جمهور متنوع ومتعدد الهوية، ولم يصاب بملل طوال الساعات الاثنتي عشرة، ومن هؤلاء: عبداللطيف اللعبي، صلاح ستيتية، فينوس خوري غاتا، مهدي حداد، نسيم جلال، حسن ياسين، كاميليا جوردانا، آن لور لييغوا، دومي بورسيون، دومينيك بلان، نورا كرييف، عتيق رحيمي، شارل بيرلين، ماريون كول، كلوي مورا، بابكس شارل بيرلين، سليم بن صافية، كارولين بواديه، فريدة رهوج، دومي بورسيون وسواهم. وكانت هذه التظاهرة اجتذبت في دورتها الأولى عام 2016 أكثر من ثلاثة آلاف مشاهد، لكن صيغتها كانت مختلفة.