السياحة: نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95% بالتزامن مع إجازة منتصف العام الدراسي    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "ثبات للتطوير العقاري" تختتم مشاركتها الناجحة في "سيتي سكيب 2024" بتحقيق مبيعاتٍ نوعيةٍ وتوقيع اتفاقياتٍ مع بنوكٍ رائدة    عودة أكثر من ربع مليون طالب وطالبة في بدء الفصل الدراسي الثاني    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    "المواصفات السعودية" تنظم غدًا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    أغرب القوانين اليابانية    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    عروض ترفيهية    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    منتخبنا فوق الجميع    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ابنتي التي غيّبها الموت..    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الماوراء» في خضم تسونامي والعولمة والطفولة المعذبة
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2011

ثلاث قارات. مدن تبدو في حضارة اليوم وكأنها علامات. أحداث وشخصيات يبدو للوهلة الأولى وكأن لا جامع بينها. وقائع مستقاة من المجرى الراهن للتاريخ الحقيقي. أفلا يخيل للمرء هنا اننا انما نمهد للحديث عن فيلم مثل «بابل» للمكسيكي اليخاندرو ايتناريتو؟ مَن شاهد «بابل» وقرأ عنه، سيبدو له هذا منطقياً. ومع هذا نحن نتحدث هنا عن الفيلم الجديد لمخرج لا علاقة لسينماه، عادة، بسينما ايناريتو. نتحدث عن «الماوراء»، أحدث أفلام كلينت ايستوود وهو، بالتحديد، فيلم لا يكون في وسع المرء أول الأمر تخيُّل انه ينتمي الى سينما ايستوود. غير ان هذا الانطباع الأولي سرعان ما يختفي بعد التفاعل التدريجي مع الفيلم والتقاط بعض سماته الأساسية، ولا سيما منها السمتان الأكثر قدرة على الطغيان التدريجي على مجرى الفيلم: الموت والطفولة.
وقبل الحديث عن هذا، لا بد من الإشارة بشكل مباشر الى انه يصعب حقاً اعتبار «الماوراء» فيلماً كبيراً من أفلام ايستوود. ذلك انه لن يكون عدلاً لأفلام ايستوودية مثل «طفلة المليون دولار» و «نهر المستيك» و «غران تورينو» - ناهيك بالثنائي «رايات آبائنا» و «رسائل من أيوجيما» -، أن نضع «الماوراء» في مستوى واحد معها، من حيث النتيجة، وبشكل أكثر تحديداً من حيث النهاية المفتعلة للفيلم، والتي تحوله الى عمل ميلودرامي، هو الذي كان يعصى أول الأمر على أي تصنيف. إذ، حتى ما يوحي به عنوانه من غرائبية، لن يكون واضحاً طالماً أن «المشاهد» الغرائبية فيه، وعددها ستة مشاهد لا يتعدى مجموعها الزمني الدقيقة الواحدة، ولا ندركها إلا من خلال رؤية جورج (مات ديمون) بطل الفيلم، الذي يقدم الينا على أنه ذو موهبة خارقة في التواصل مع الموتى.
هنا، وقبل أن تختلط الأمور بين الفيلم ووصفنا له، وكي لا يخيّل الى القارئ من خلال هذا الوصف المتقطع، انه في ازاء فيلم تجريبي، نسارع لنقول ان العكس هو الصحيح: «الماوراء» فيلم كلاسيكي. غرائبية ذهنية، ورسالته واضحة. وكيف لا يكون فيلم كهذا مقتبساً عن سيناريو للكاتب بيتر مورغان، ارتبط اسمه أساساً بأفلام سياسية كلاسيكية، لعل أشهرها «الملكة» لستيفن فريرز؟
تواصل...
إذاً، لنوضح الأمور بعض الشيء: ينطلق «الماوراء» من كارثة تسونامي التي حدثت عام 2004، ليستقر عند الصحافية الفرنسية ماري التي تكون واحدة من ضحايا الدفق المائي الهائل في مدينة آسيوية ساحلية. حينها وبعد موت محقق، تعود ماري الى الحياة، وقد خبرت تجربة الموت في رؤية مدهشة اثر مشهد ماري هذا، تنتقل الكاميرا الى لوس انجلوس حيث تتعرف إلى جورج، وهو عامل يريد قدر الإمكان الهرب من ممارسة موهبته في التواصل مع الأموات، ولا سيما من إلحاح أخيه عليه في أن يجعل تلك الموهبة مهنة له. ثم من المدينة الأميركية الى لندن، حيث يقتل أحد فتيين توأمين في حادث سيارة، تاركاً أخاه حزيناً يريد بأي ثمن أن يتواصل معه.
بداية، ليس ثمة ما يشير الى ان هذه الشخصيات الثلاث سوف تلتقي. ولكن من الواضح بالتدريج، ان الفيلم ينطلق منها للتفاعل مع ثلاثة من أحداث التاريخ الراهن: تسونامي، العمليات الإرهابية (في لندن)، والأزمة الاقتصادية العالمية (في تأثيرها على جورج إذ تفقده عمله). ولا يدعي «الماوراء» انه يحاول أن يحلل هذه الأوضاع الكونية. هو فقط ينطلق منها في بُعدها العولمي، الذي يكاد بالنسبة الينا يبرر بدءنا هذا المقال في الإشارة الى «بابل»، الفيلم العولمي بامتياز. بالنسبة الى الفيلم، تنتمي الأحداث الثلاثة معاً الى بوتقة تأثيرها المباشر على مسار الشخصيات الرئيسة. فكارثة تسونامي هي التي تقلب حياة ماري وتدفعها الى وضع كتاب عن «الماوراء» بدل كتاب كانت تعده عن فرانسوا ميتيران، ما يوصلها الى معرض الكتاب في لندن، حيث تلتقي أخيراً بجورج أمام ناظري الفتى ماركوس، الذي كان بدوره «يبحث» عن جورج، بعدما تعرف إليه عبر الانترنت، كي يوصله الى أخيه الراحل. وماركوس قبل ذلك كان نجا من الموت في انفجار قطار لندن، إذ تأخر عن ركوب المترو، لأن أخاه، الراحل (وكما سيخبره لاحقاً)، كان هو من انتزع عن رأسه القبعة المشتركة (التي لم تعد تغادر رأس لوكاس منذ رحيل أخيه) ليرميها فيبحث عنها لوكاس فيسير المترو وينفجر وينجو هو من الموت. والأزمة الاقتصادية هي التي تطرد جورج من عمله، مرسلة إياه الى لندن «حيث يكون لقاؤه مع لوكاس ثم مع ماري، فينتهي الفيلم تلك النهاية المفتعلة بعدما كانت وعوده كثيرة أولاً.
ليس مؤلفاً ولكن
هنا لا بد للمرء من أن يتساءل عمّا اجتذب كلينت ايستوود الى هذا السيناريو، الذي - كما أشرنا أولاً - يصعب تصوّر انه ينتمي الى رؤاه السينمائية مهما كان تنوعها. وقبل محاولة الجواب عن هذا السؤال، لا بد هنا من توضيح. فكلينت ايستوود الذي يعتبر اليوم واحداً من ايقونات السينما الأميركية بدأبه المدهش على تحقيق الفيلم اثر الآخر على رغم عمره المتقدم جداً، والذي حقق خلال عقود نقلة مدهشة من تمثيل أدوار رعاة البقر والمفتشين الفاشيين، الى تحقيق أفلام تنتمي في معظمها الى السياق الإنساني، ايستوود هذا لا يمكن اعتباره مؤلفاً سينمائياً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، حيث انه لا يكتب سيناريواته بنفسه... بل انه غالباً ما لا يتدخل أي تدخل في أي سيناريو يحققه. غير ان هذا لم يمنع بعض أفلامه الرئيسة والكبرى من ان تحمل مواضيع متجانسة، بل حتى مواضيع، سرعان ما نرى في الأفلام انها مرتبطة - أكثر مما نعتقد - بحياة ايستوود أو نظرته الى الحياة. فالطفولة المنهكة والمغتصبة، تلعب في بعض هذه الأفلام دوراً رئيساً. وعلاقة الأب بالابن أو الابنة، تلعب دوراً أساسياً أيضاً. وجرح الماضي يلعب دوراً (وللدنو من هذا، حسْبنا هنا أن نذكّر بأفلام مثل «طفلة المليون دولار» و «التبديل» و «نهر المستيك» و «غران تورينو»، الذي يكاد يختصر سيرة ايستوود نفسه!). ويقيناً ان مشاهدة معمقة للفيلم الجديد «الماوراء» كفيلة بأن تضعنا مباشرة في هذا السياق، مفسرة السبب الرئيس - في اعتقادنا - الذي دفع ايستوود الى تحقيق هذا الفيلم، حيث ان الجانب المرتبط بالطفولة المعذبة فيه يدنو كثيراً من هذا الجانب، كما عبّر عنه في معظم أفلامه الكبرى (بما ذلك «أكاذيب حقيقية» و «هانكي كونك»، بالنسبة الى علاقة الاب بالابن). فالحال أننا هنا في «الماوراء»، ان استثنينا شخصية ماري، التي تعيش تجربة الموت - منطلق الفيلم - بنفسها ولا تكون لها طفولة تحكى لنا في الفيلم (علماً بأنها حين تغرق و «تموت» تكون أولاً في طريقها لشراء هدايا لأطفال عشيقها، وثانياً في محاولة لإنقاذ الطفلة البائعة من الموت تحت وقع التسونامي)، ان استثنينا ماري، سنجد عذاب الطفولة (بل موتها بالنسبة الى توأم لوكاس) يلعب دوراً أساسياً في الفيلم: جورج حلّت عليه موهبة التواصل مع الموتى (هو يسميها نقمة) خلال عملية جراحية أجريت له في طفولته. ميلاني (الحسناء التي تعرف إليها جورج أولاً في لوس انجلس وقرأ طفولتها عبر لمس يدها) اغتصبها والدها في طفولتها وعاش حياته يستغفرها حتى موته، وها هو يفعل الآن بعد موته. جازون، توأم لوكاس، قتل بصدم سيارة له في محاولته الهرب من «زعران» أرادوا سرقة جهازه الخليوي، علماً بأنه وأخاه قدّما الينا ضحية للطلاق ولأم مدمنة يحبانها.
هنا، في هذا الإطار تحديداً، وجد كلينت ايستوود، في سيناريو بيتر مورغان «العولمي»، ما أغراه ودفعه الى تحقيق هذا الفيلم، الذي انطلاقاً من هنا يشكل، إضافة الى عالمه السينمائي الذي - في تفاوته القيمي - يشكل متناً متكاملاً، واضعاً هذا المبدع التسعيني، في مكان متقدم بين سينمائيين لا بأس من أن نقول إن أعمالهم المتلاحقة قد تستمد قيمتها الأساس ليس تحديداً من ذاتها، وانما من موقعها في هذا المتن الذي نتحدث عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.