هل هناك عملية شد وجذب، خفية أو غير خفية بين «أكبر» مخرجين عاملين في هوليوود في زمننا هذا: مارتن سكورسيزي وكلينت ايستوود؟ اننا نعرف طبعاً أن هذين الفنانين قد تجابها، أوسكارياً، غير مرة قبل الآن. في مرة أولى كان الفوز من نصيب ايستوود عن فيلمه «طفلة المليون دولار» - فيما فشل «عصابات نيويورك» في المنافسة على أهم أوسكارات ذلك العام -. وفي مرة ثانية كان الفوز من نصيب سكورسيزي، حين أعطي الجائزة الأوسكارية السامية عن «المرحلون»، الذي كان يجابه «رايات آبائنا» في المنافسة نفسها... طبعاً عند هذا المستوى من الكلام، قد يبدو من الصعب الحديث عن شد وتجاذب بين كبيري هوليوود هذين. ولكن إذ ننتقل بالحديث الى الكاتب دنيس ليهان، الذي كان ايستوود قد حقق انطلاقاً من رواية بديعة له فيلمه «نهر المستيك» (2003)، سنجدنا أقرب الى الإجابة نعم عن السؤال الذي افتتحنا به هذا الكلام. فالحقيقة ان ايستوود، منذ أنجز هذا الفيلم الذي نتحدث عنه، وحقق الفيلم نجاحات كبيرة، حتى في اعطاء واحد من أبطاله (شون بن) أوسكار أفضل ممثل، أبدى رغبته في العودة الى أدب ليهان، وبالتحديد الى روايته «شاتر آيلند» التي كانت قد ظهرت عام عرض «نهر المستيك» نفسه. لكن المشروع تعثر يومها. وإذ انهمك ايستوود في تحقيق مشاريعه التالية، «اكتشف» سكورسيزي وجود الرواية التي كانت شركة «بارامونت» قد اشترت حقوقها. وهكذا بالتدريج لم يعد المشروع مشروعاً لإيستوود بل أصبح مشروعاً لسكورسيزي. طبعاً، لنا ان نتخيل هنا كيف كان من شأن «شاتر آيلند» ان يكون لو حققه ايستوود... بل لنا ان نتخيل حلماً سينمائياً غريباً: أن يحقق صاحب «غران تورينو» و «نهر المستيك» فيلماً آخر عن «شاتر آيلند» ليتاح لملايين المتفرجين أن يقارنوا بين عملين فذّين - بالتأكيد - ومقاربتين مدهشتين - بالتأكيد أيضاً - للنص نفسه. وفي انتظار تجلّي مثل هذا الحلم وانكشاف انه حلم لا أكثر وأنه غير قابل للتحقق عملياً، نتوقف قليلاً عند هذا الكاتب الذي نكاد نقول انه برز فجأة، ان لم يكن في فضاء الأدب الروائي الأميركي الجديد، فعلى الأقل في فضاء السينما الهوليوودية. فهذا الكاتب المولود في بوسطن، في أقصى الشمال الشرقي الأميركي عام 1965، لم ينتظر تحقيق كلينت ايستوود فيلماً عن رواية له، حتى يدنو من عالم السينما، الذي اقتبس عنه، حتى الآن أفلام كبيرة، إذ الى جانب «نهر المستيك» وفيلم سكورسيزي الأخير، هناك أيضاً فيلم «ذهب، يا حبيتي، ذهب»... (2007). لكن هذا ليس كل شيء، إذ نعرف ان ليهان كتب وأخرج أواسط سنوات التسعين فيلم «جيرة»، الذي رأى كثر تشابهاً محيراً بينه وبين سيناريو فيلم «ويل هانتنغ الطيب» الذي كتبه مات دايمون وبن آفليك وأخرجه غاس فان سانت... والذي ظهر بعد عام من فيلم ليهان. اضافة الى هذا كتب هذا الأخير ثلاث حلقات من مسلسل «ذا واير» التلفزيوني الذي أنتجته شركة ه. بي. أو... وهذه الحلقات هي «جنود ميتون» (2004) و «لاجئون» (2006) وأخيراً «توضيحات» (2008)... وكذلك نجده في دور ثانوي كممثل في حلقة عنوانها «أرض وسيطة»... بقي أن نذكر ان الفيلمين السابقين المأخوذين عن دنيس ليهان «نهر المستيك» و «ذهب... يا حبيبي، ذهب» قد حققا فوزاً وتسميات في جوائز الأكاديمية (الأوسكار)، فهل لنا أن نفترض ان «مصيراً» كهذا قد يكون من نصيب «شاتر آيلند» في جوائز الأوسكار المقبلة؟ طبعاً حين يكون اسم المخرج مارتن سكورسيزي، لن يبدو هذا الاحتمال بعيداً... اللهم إلا إذا برزت منافسة من كلينت ايستوود وكان الدور دوره هذه المرة!