تزايدت في الأسابيع الأخيرة التطورات الاقتصادية والمالية السلبية الطارئة على الاقتصاد الألماني والأوروبي والعالمي، بدءاً بأزمة النفط الناتجة عن أحداث ليبيا وارتفاع سعره، ما أدى إلى رفع معدل التضخم، وانتهاء بتوسّع العجز المالي في عدد من الدول الأوروبية وخطره على اليورو، مروراً باستمرار ركود اقتصاد الولاياتالمتحدة وضعف الدولار. وأصيبت البورصات الدولية بنكسة غير متوقعة انعكست بقوة على «مؤشر داكس» الألماني ليفقد أكثر من 800 نقطة، قبل أن يستعيد جزءاً كبيراً من عافيته ويسجل أخيراً 7150 نقطة، بعد أن تراجع إلى 7442 نقطة في الأسبوع الأول من آذار (مارس) الماضي. وعلى رغم الإطار الاقتصادي والمالي الخارجي غير المؤاتي للاقتصاد الألماني، لا تزال الحكومة الألمانية وخبراء ألمان وأجانب يرون أفقاً إيجابياً للاقتصاد الألماني، مقلّلين من شأن تداعيات أحداث ليبيا، بسبب ضعف الارتباط الألماني بالنفط الليبي في شكل خاص. وأفاد تقرير صادر عن «غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية» بأن بيانات الشركات الألمانية الكبرى المدرجة في مؤشر «داكس» في «بورصة فرانكفورت»، وعددها 30، جاءت إيجابية جداً، معلنة عن تحقيق مبيعات وأرباح كبيرة. وأكد خبراء من البورصة أن هذه البيانات كانت ستدفع المؤشر الألماني إلى الأعلى في ظروف عادية، لكن الذي حدث هو العكس نتيجة قلق المستثمرين الذين تفادوا شراء الأسهم للاستثمار في السندات الحكومية. وأكد «مؤشر الأجواء للتجمّع المصرفي الألماني» (كا إف في)، الذي تشرف عليه الحكومة ومهمته تقديم قروض إلى الشركات وأرباب العمل في الداخل والخارج، أن الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة التي تشغّل القسم الأكبر من العاملين في البلاد متفائلة جداً إزاء مستقبل أعمالها. وارتفع المؤشر في شباط (فبراير) الماضي، للمرة الثالثة على التوالي، مسجلاً 30,7 نقطة، أي مستواه الأعلى حتى الآن. موجة التضخم ولفت كبير خبراء التجمّع المصرفي، نوربرت إرش، إلى أن المؤشر يؤكد التوقعات الإيجابية لهذه السنة، وحذّر من أن موجة التضخم الحاصلة حالياً «قد تكبح الاستهلاك الخاص وتفرض على البنك المركزي الأوروبي رفع الفائدة من جديد». وكان رئيسه جان - كلود تريشيه أشار أخيراً الى أن البنك المركزي قد يرفع الفائدة بنسبة ربع نقطة مئوية خلال اجتماع مجلس قيادته غداً، بعد أن تجاوز معدل التضخم في «منطقة اليورو» 2,2 في المئة. وفوجئ محللون ألمان بارتفاع الطلب على الصناعة الألمانية في كانون الثاني (يناير) الماضي بنسبة 2,9 في المئة عن الشهر الأخير من السنة الماضية، وفقاً لوزارة الاقتصاد الألمانية، في حين كانوا يتوقعون زيادة 2,4 في المئة فقط. وتبيّن أن الطلب من الداخل ارتفع بنسبة 4,5 في المئة، ومن الخارج 1,6 في المئة، ما يشير إلى ديناميكية داخلية أعلى مما كان منتظراً. وعلى رغم الأزمة المالية التي تعانيها دول عدة في «منطقة اليورو»، زادت الطلبات على الصناعة الألمانية بنسبة 2,3 في المئة منها، عن غيرها من الدول الأخرى، بينها دول صاعدة مثل الصين والهند والبرازيل. وسجلت الصادرات الألمانية في كانون الثاني (يناير) الماضي تراجعاً قدره واحد في المئة وفقاً ل «معهد الإحصاء المركزي» في فيسبادن، إلا أن خبراء لا يزالون يعتقدون بأنها ستتعزز في الأشهر المقبلة لتخترق البليون يورو، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، فتبقى أحد أعمدة النمو الاقتصادي الأساسية في البلاد. وبعد أن تفاءل معظم الخبراء الألمان مطلع السنة الحالية في أن الاستهلاك الداخلي الخاص سيحلّ محل الصادرات كداعم أساس للنمو، بدأ عدد غير قليل منهم يشكّك بذلك في الفترة الأخيرة. وقال رئيس «معهد البحوث الاقتصادية» (دي إي في) غيرت فاغنر: «من الصعب مواصلة القول إن الاستهلاك سيقود قاطرة النمو في البلاد هذه السنة»، مشيراً إلى أن «المفاوضات الجارية بين أرباب العمل والعمال لزيادة الأجور لا تبشّر بأن الأخيرين سيحصلون على أكثر من تعويض عن التضخّم»، وهذه نتيجة لن تشجعهم في رأيه «على زيادة استهلاكهم الخاص كما كان متوقعاً سابقاً».