يبدو أن طلائع الربيع التي بكّرت ابتداء من أواسط الشهر الفائت تبشِّر أكثر بعودة عجلة النمو إلى الدوران في ألمانيا بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المراوحة والجمود. وفي وقت يُجمع معظم خبراء الاقتصاد هنا على أن معدل نمو الناتج المحلي الألماني في الربع الأول من السنة الحالية لن يتجاوز 0،2 في المئة، تنتظر معاهد البحوث استناداً إلى البيانات والمؤشرات الاقتصادية والإحصائية المتوافرة، تحقيق معدل نمو من 0،9 في المئة في الربع الثاني. وهذا ما أكده معهد بحوث الاقتصاد الألماني «دي إي في» ومؤشر النمو الشهري لبنك الاستثمارات «باركلايز كابيتال» الذي نُفّذ بطلب من صحيفة «هاندلسبلات» الاقتصادية الألمانية. وذكرت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) أن هاجس الخبراء والاقتصاديين، ورجال الأعمال الألمان، والحكومة من إمكان ارتفاع البطالة في البلاد هذه السنة هدأ أخيراً. وسبب ذلك وصول معاهد بحوث، مثل معهد الاقتصاد العالمي «إي إف في» في كيل، إلى استنتاجات تؤشر إلى تراجع البطالة في البلاد. وبدلاً من صعود البطالة إلى 3،7 مليون وربما إلى أربعة ملايين في أسوأ الحالات ذكر المعهد أن حجم البطالة لن يتجاوز المعدل الوسطي الذي سُجّل السنة الفائتة، أي 3،4 مليون شخص، بتراجع 170 ألفاً. وجاءت بيانات وكالة العمل الاتحادية عن سوق العمل التي نشرت قبل أيام لتشير بالفعل إلى تراجع البطالة في آذار (مارس) الماضي بصورة فاجأت كثيرين، وتؤكد التوقعات والمنحى الإيجابي الذي يسير عليه الاقتصاد الألماني حالياً على عكس معظم الاقتصادات الأوروبية. وإذا كان الاستهلاك الشخصي لا يقدِّم بعد أية مساهمة إيجابية لتعزيز معدل النمو في البلاد، يتوقع مزيد من الخبراء أن تتنشَّط السوق الداخلية هذه السنة والسنة المقبلة بعد اطمئنان الألمان إلى ديمومة أعمالهم ووظائفهم. وبعد ارتفاع الطلبات على القطاع، خصوصاً الشهر الماضي أفادت بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء المركزي في فيسبادن بأن الاقتصاد الألماني عاود مرحلة الصعود والاعتماد من جديد على الصادرات كمحرِّك أول لنموِّه، على الأقل في المرحلة الحالية. وعلى رغم الخلاف المستمر حول تمنّع المصارف أو عدمه عن تسليف الشركات ورجال الأعمال لتسيير أعمالهم وتجديد رؤوس أموالهم ذكر معهد البحوث الاقتصادية «إيفو» في ميونيخ في استطلاع أجراه أخيراً أن الحصول على تسليف مصرفي أصبح أكثر سهولة من الشهور الماضية، إنما من دون حل المشكلة جذرياً. ويضاف إلى طلائع النمو، التحسن الجديد لمؤشر «داكس» الذي يضم أسهم 30 شركة ألمانية كبرى تتعامل في بورصة فرانكفورت. وعاد المؤشر ليقرع ليس فقط باب الستة آلاف نقطة بعد طول انتظار واستعادته نحو 600 نقطة فقدها خلال الشهرين الماضيين، بل ليتجاوز حالياً مستوى 6200 نقطة في ظل أجواء مالية واقتصادية إيجابية داخلياً وخارجياً، ما يسمح بتوقع مواصلته التسلّق. لكن إلى جانب الإيجابيات المذكورة يبقى دين الدولة المتنامي خلال السنوات الأخيرة، وتجاوز 1،7 بليون يورو، نقطة سلبية كبيرة ومقلقة. ويشكِّل العجز حملاً ثقيلاً على موازنة الدولة العامة للسنة الحالية بحيث تجاوز 80 بليون يورو. ويشكل على المدى المتوسط والطويل تركة ثقيلة للأجيال المقبلة بعد أن تجاوز الدين العام 60 في المئة من مجمل موازنات الدولة السنوية (الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية والبلديات)، ما يشكِّل انتهاكاً لمعاهدة «ماستريخت» يضاف إلى انتهاك برلين معيار عجز الثلاثة في المئة في موازنتها السنوية أيضاً.