في ما يتجاوز الاساسيات، ينبغي التعرف على العقيد القذافي وعلى الثورة الليبية التي تقاتله، بمساعدة تحالف دولي، وهذا سؤال يستحق أن يُسأل: هل تمهد العملية العسكرية في ليبيا لفكرة الدفاع الاوروبي وتنبئ بها او تدفنها؟ يمكننا القول انه في حال النجاح، ستكون الطريق مفتوحة امام الدفاع الاوروبي، حيث لا يمكن بناؤها إلا حول محور لندن - باريس. وجاء التصويت على قرار مجلس الامن الدولي بفضل التوافق بين (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي و(رئيس الوزراء البريطاني) ديفيد كامرون، وهو ما اتاح تنظيم التدخل لنجدة المتمردين الليبيين. عام 1998، تعهد رئيس وزراء بريطاني آخر هو توني بلير في سان مالو، الالتزام بطريق الدفاع الاوروبي، قبل أن يحول اندلاع الحرب في العراق عام 2003، دون تطبيق الالتزام هذا. هل نحن في صدد عيش العام 2003 معكوساً؟ لقد حطمت حرب العراق في تلك السنة أوروبا. فمن جهة، ظهرت روماولندن ومدريد ولشبونة مجتمعة حول جورج بوش. ومن جهة ثانية كانت هناك برلين وباريس اللتان شكلتا مع موسكو محوراً معادياً للحرب. هذه المرة، تواجه برلين التوافق بين لندن وباريس، ثم تأتي روما ثم برعم جبهة برلين - روما الطامحة الى الحصول على دعم اسطنبول. وبينما يتعمق الافتراق، تؤيد واشنطن وجامعة الدول العربية باريس ولندن اللتين لم يعد لديهما سوى هدف واحد: إلحاق الهزيمة بالقذافي وانتصار معارضيه. في المقابل، تدعو روما التي كانت ترغب ببقاء القذافي، الى وقف اطلاق النار والى «المصالحة الوطنية». الأهم من ذلك أن المانيا انشقت قبل اندلاع العمليات العسكرية. وكنا نعلم ان النزوع الى التهدئة يشكل جزءاً من التركيبة الجينية للديموقراطية الالمانية. وأن المشاركة في افغانستان (حيث ارسلت المانيا جنوداً أكثر مما ارسلت فرنسا) قد فاقمت النزعة هذه. لكن (المستشارة الالمانية) انغيلا ميركل تجاوزت الامتناع عن التصويت على القرار 1973. لقد سحبت السفن الالمانية المشاركة في فرض الحصار الدولي على السواحل الليبية. يُظهر المعطى البسيط هذا أن لدينا كل أسباب التشاؤم. فها هي ذي عملية لا هدف لها سوى تدخل أملاه الوقت، أي قبل حمام الدم، ومع ذلك انتقدته المانيا، في حين أن ايطاليا امتنعت عن السير فيه. وتتبنى روماوبرلين موقفين كانا ليعطلا الدفاع الاوروبي، لو وجد، فيما تؤديان دور الجار الداعي الى مواجهة الديكتاتور. ومع ذلك، تبدو بواعث الامل مهمة. فهي نتيجة سير العالم الذي يفرض كل يوم على الاتحاد الاوروبي العثور على طريق التكامل المفقود. وتفعل حكوماتنا كل شيء لفرض «العمل بين الحكومات»، اي وجهات نظرها الخاصة على حساب «العمل الجماعي»، الذي تسانده المؤسسات الاوروبية؛ التي تحتاج الى إجماع الدول الاعضاء السبع والعشرين (والمسؤولة عن السياسة الخارجية للاتحاد كاترين آشتون). لقد ارغمت الازمة المالية باريس وبرلين على التوافق على دفاع مشترك لمنطقة اليورو وعلى التقدم على طريق، لم يكن ليخطر في بال، هو فيدرالية الموازنة. وربما تكون الأزمة الليبية هي التي حملت باريس ولندن على تقديم قضية مشتركة وعلى استخلاص الدروس من اعادة التموضع الاستراتيجي للولايات المتحدة. وباستثناء القبول بالاختفاء، سيكون على الاوروبيين، من دون ريب، اعادة النظر في آفاق دفاع اوروبي مشترك. * صحافي، رئيس تحرير سابق في «لوموند» - عن «ليكسبرس» الفرنسية 30/3/2011، إعداد حسام عيتاني