ألقت الازمة الليبية الضوء على شلل السياسة الدفاعية الاوروبية وغرقها في غيبوبة دماغية. فالاتحاد الاوروبي أخفق في الإجماع على انتهاج سياسة موحدة في منطقة المتوسط. وإحجام المانيا عن التصويت مع التدخل الجوي العسكري لحماية المدنيين الليبين آذن بأفول القوة الجماعية الاوروبية. وحوادث ليبيا تبرز تهافت طموحات الاتحاد الاوروبي، مع اضطرار المحور البريطاني – الفرنسي الى مطالبة ال «ناتو» بأداء حصة الاسد في العمليات العسكرية. والحاجة الى سياسة أوروبية دفاعية ملحّة وماسة، في وقت تهمل الولاياتالمتحدة ملفات لا تتصدر أولوياتها ومصالحها الحيوية. ويصيب زلزال دول الحوض المتوسط - وهو واعد بالآمال وحافل بالتهديدات - في وقت قُلصت موازنات الدول الاوروبية الدفاعية. فاجتمع الى ضعف الارادة السياسية الاوروبية والطموحات الهشة، شح شريان الحرب، المال. والظاهرة هذه تتفشى في أوروبا كلها، بينما الدول النامية تراكم الفوائض المالية وترفع موازناتها الدفاعية، على رغم إحجامها عن التصويت مع القرار الاممي للتدخل الانساني في ليبيا. فتبدو الدول النامية وكأنها على موعد مع مستقبل واعد، والدول الاوروبية في انتظار مستقبل قاتم. ومع الاقتطاعات المالية في الموازنات الدفاعية، يسعى الفرنسيون والبريطانيون في الحفاظ على وحدة تماسك أدواتهم الدفاعية. وتتولى فرنسا وبريطانيا دون غيرهما من الاوروبيين أعباء الدور الاوروبي السياسي والعسكري. وتنوء القيود المالية وآثار أزمة 2007 السلبية بثقلها على مستقبل أوروبا، في مرحلة أمنية مضطربة وعصيبة. والتاريخ لا يعيد نفسه، ولكن عبره تنذرنا بأن ثمن تغليب كفة دولة الرعاية على كفة الدولة السيادية الحقوق والسلطات باهظ. لكن، ما السبيل الى تقويم أوروبا اعوجاج حالها الدفاعية؟ قد يكون ارتقاء ألمانيا الى مرتبة أبرز قوة عسكرية أوروبية السبيل الى تذليل فشل الاتحاد الاوروبي البنيوي والعسكري. ويفترض الارتقاء هذا انبعاث القوة العسكرية الالمانية. وحلفاؤنا الألمان مدعوون الى اعادة تقويم تاريخهم العسكري واحتسابه، وهو جزء من تاريخنا كذلك. فألمانيا ألحقت بنا الهزائم أكثر من مرة جراء توسلها نهجاً عسكرياً غرف من «روح (معركة) يينا»، واستخلص دروسها. فبعد هزيمتها في 14 تشرين الاول (أكتوبر) 1806، استخلصت بروسيا عبر الهزيمة، وأرست جيشها على ركني قيادة مجددة واضحة الاهداف وتقسيم السلطات على مستويات القيادة المختلفة. ويعود الفضل في انتصار الالمان على الفرنسيين في 1870 و1914 و1940 الى النهج هذا. وقطع ادولف هتلر مع النهج هذا، وألغى ما يسمى «روح يينا» في بنية الجيش، وأرسى قيادة مركزية عصابية. وأطياف جرائم الرايخ الثالث الثقيلة الوطأة تحول دون انفتاح ألمانيا عسكرياً. ولكن أوروبا تحتاج حاجة ماسة الى قوة ألمانيا بارزة، وهي تحتاج الى بروز ترويكا (قيادة ثلاثية) دفاعية على رأسها برلين ولندن وباريس. ومن غير الترويكا هذه، لن تبرز قوة أوروبية دفاعية وأمنية. * صاحب «عقدة النعامة: تجاوز الهزائم الفرنسية»، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 22/4/2011، إعداد منال نحاس.