في الأسبوع الأول للثورة الليبية قالت فرنسا، على لسان وزير خارجيتها ألان جوبيه، خلال زيارته القاهرة، ان باريس ضد التدخل العسكري في ليبيا، وبعد أيام قليلة تبنت الدول الغربية قضية الحظر الجوي، إثر حصولها على تفويض عجيب من الجامعة العربية. وسرعان ما نشب خلاف بين الدول الغربية حول من يتولى زمام الأمور. من يقود المعركة. وجرت محاولة لاستبعاد الحلف الأطلسي، خشية تأثير ألمانيا وتركيا، بحكم رفضهما مبدأ شن غارات جوية. اتضح لاحقاً أن الحظر الجوي نافس كتائب العقيد القذافي في عدد القتلى، رغم انه فُرض بدعوى حماية المدنيين، ودحر القذافي، وهو، حتى الآن، لم يحقق أياً من الهدفين. في بداية الحرب بين الثوار وكتائب القذافي لوحت واشنطن بفكرة تزويد الثوار بالسلاح، وهي فكرة عملية وممكنة، وقوبلت بترحيب واسع عند العرب والليبيين. لكن البيت الأبيض سرعان ما سحب الفكرة من التداول. أهمل الحديث عنها تماماً، فدعم الثوار سيؤثر على قضية ما يسمى الحظر الجوي، ويحرم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من التدخل تحت كذبة الحظر الجوي، الذي لا يختلف في عنفه وهمجيته عن الحرب الجوية على العراق. لكن حدة الجدل الدولي حول الحظر، وتسابق وسائل الإعلام على نقل حجم ضحايا الغارات الجوية الغربية على المدن الليبية، فرض على واشنطن معاودة الكلام على تزويد الثوار بالسلاح. بات تزويد المقاتلين بالسلاح مجرد وسيلة لتحسين صورة التدخل، وإن شئت شراء الوقت حتى تتعقد الظروف. أمس أعلنت واشنطن أن الثوار غير قادرين على حسم المعركة، لكنها لم تشر الى ان هذا بسبب فشل طلعاتها الجوية، ولم تقل ان هذا الفشل يفرض عليها وعلى حلفائها الغربيين، وفي مقدمهم فرنسا، التسريع في تنفيذ قرار مد الثوار بالسلاح، ولجم نيران الطائرات التي تحصد ارواح الأبرياء. هل تمهد واشنطن لاستخدام تفسير آخر للحظر الجوي؟ هل جرى الاتفاق بين الأميركيين والفرنسيين على شكل التدخل القادم؟ لا شك في ان بعض الليبيين والعرب ينظر الى مهمة الغربيين في ليبيا بقليل من الثّقة، وبالكثير من الشّكّ والريبة. الأكيد أن الثوار في ليبيا واقعون بين الغار والنار. لهذا فإن الحكيم من الليبيين اليوم حائر: كيف يختار الإنسان بين الموت والموت؟