هلّلت إسرائيل لما وصفته «صدقيتها وأخلاقية جنودها» في أعقاب إعراب القاضي اليهودي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون عن «أسفه» لصيغة الاستنتاجات التي خلص إليها في تقريره عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل أكثر من عامين والذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أمس أن إسرائيل تعتزم التوجه قريباً إلى الأممالمتحدة لفحص ما إذا كان ممكناً إلغاء «تقرير غولدستون»، فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك إنه يجب إرغام غولدستون على تقديم الاعتذار من إسرائيل على «فريته الدموية». وكان غولدستون كتب في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نهاية الأسبوع الماضي أنه لو كتب تقريره (الذي نشره أواخر أيلول 2009) اليوم لكان أصدر وثيقة مختلفة. وأضاف: «لدينا اليوم معلومات عما حصل خلال حرب غزة أوفى بكثير مما كنا نملك خلال رئاستي لجنة التحقيق». وتابع: «أشعر بالأسف لأنه لم تكن في حوزتنا معلومات وإفادات تشرح الظروف التي استهدف فيها مدنيون في غزة ... إذ كان من شأنها على الأرجح أن تؤثر على الاستنتاجات التي توصلنا إليها عن الطابع المتعمد لارتكاب جرائم ووجود جرائم حرب». وبحسب غولدستون، فإن «الجرائم التي ارتكبتها حماس» كانت متعمدة لأن الصواريخ استهدفت «بشكل لا لبس فيه أهدافاً مدنية، بينما الادعاءات بالطابع المتعمد من جانب إسرائيل استندت إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين في ظروف لم تستطع لجنة التحقيق الدولية تحديدها». ودفع هذا «الاعتراف بالخطأ» و«التوبة»، بحسب توصيفات الإعلام الإسرائيلي، بأركان الدولة العبرية إلى التهليل ب «أخلاقيات الجيش الإسرائيلي» ومهاجمة «التقرير المشوّه والجائر» وواضعه غولدستون على «تسرعه ومساهمته في حملة نزع الشرعية عن إسرائيل»، ودعوه إلى الاعتذار الرسمي. ومنذ صدور التقرير، حملت إسرائيل بعنف على القاضي غولدستون ونبشت في ماضيه لتستذكر أنه كقاض في نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا اصدر أحكاماً بالإعدام ضد السود، كما اتهمته بخدمة أهداف «حماس». وقال نتانياهو في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته أمس إن «الحالات التي تراجع فيها المفترون على إسرائيل، مثلما كان في تقرير غولدستون، قليلة». وأضاف انه طلب من رئيس مجلس الأمن القومي في مكتبه يعقوب عميدرور أن يترأس طاقماً خاصاً لبلورة السبل لتخفيف الضرر الذي ألحقه التقرير بإسرائيل، «وسنعمل على إبطال التقرير». وكان نتانياهو دعا أول من أمس الأممالمتحدة إلى «الإلغاء الفوري» لتقرير غولدستون، بعد أن تراجع واضعه عما كتبه. وقال: «يجب قذف هذا التقرير إلى مزبلة التاريخ». وأضاف: «اليوم أكد غولدستون ما كنا نعلمه منذ البداية: إسرائيل قالت الحقيقة، لم نهاجم يوماً بطريقة متعمدة مدنيين، وهيئات المراقبة لدينا تنتهج ارفع المعايير الدولية، في وقت لم تقم حماس بالتثبت من أي شيء مع الاستمرار في القصف لقتل مدنيين». واعتبر أن «الأمر الأكثر عبثية أن مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة الذي يضم بين أعضائه البارزين ليبيا (معمر) القذافي، كان وراء هذا التقرير». وقال باراك في بيان انه يجب عدم الاكتفاء بنشر المقال، بل يتحتم على القاضي غولدستون توزيع استنتاجاته الجديدة على كل الهيئات التي تلقت «التقرير المحرَّف والجائر». وقال: «بهذه الطريقة فقط سيمكنه جزئياً تصحيح الضرر الذي ألحقه». وتابع: «يجب إرغام القاضي غولدستون على الظهور أمام الهيئات الدولية، خصوصاً الأممالمتحدة، ليدلي بأقواله. وأشار إلى أن إسرائيل كانت على حق في عدم تعاونها مع «اللجنة (لجنة غولدستون) التي أرسلتها هيئة هاذية تضم أعداء إسرائيل وتدعى مجلس حقوق الإنسان». أما وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فقال إن «تمسك إسرائيل بأهدافها وبالحقيقة واستعدادها لدفع الثمن وراء التحول في موقف غولدستون». وأضاف أنه لو تعاونت إسرائيل مع غولدستون «لنشأت سابقة خطيرة». وهاجم المنظمات الإسرائيلية اليسارية التي تعاونت مع غولدستون ونقلت له كل المواد المتعلقة بإدانة إسرائيل. وبحسب ليبرمان، فإن أقوال غولدستون تمنح الموقف الإسرائيلي دعماً وتجعل الشكاوى القضائية المقدمة ضد مسؤولين إسرائيليين في أرجاء العالم «غير ممكنة»، كما تحول دون محاولة السلطة الفلسطينية تقديم شكوى للمحكمة الدولية في لاهاي. وأصدرت وزارة الخارجية التعليمات للسفير الإسرائيلي في الأممالمتحدة للعمل على وقف كل الإجراءات التي أعقبت تقرير غولدستون. ورأى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز انه يجدر بغولدستون أن يقدم الاعتذار لدولة إسرائيل في أعقاب اعترافه بخطئه في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وتجاهله الدافع الرئيس لتدخل الجيش الإسرائيلي، و«هو إطلاق القذائف الصاروخية على مدنيين إسرائيليين أبرياء». وزاد أن الجيش تحرك من منطلق الدفاع عن النفس وحقق في عملياته، «والجيش ما زال أحد أكثر الجيوش أخلاقاً في العالم». ودعت زعيمة «كديما» تسيبي ليفني إبان الحرب على غزة غولدستون إلى «تصحيح جوهري» لتقريره يقود إلى قيام الهيئات التي نددت بإسرائيل بتصحيح موقفها، وعدم الاكتفاء بمقالة في جريدة. وأضافت أن التقرير الذي وضعه شابه خلل جوهري «إذ مرفوض علينا المقارنة بين إرهابيين بحثوا عن قتل مدنيين وأطفال، وبين جنود الجيش الإسرائيلي الذين تحركوا ضد الإرهاب الموجَّه للمواطنين». وقال وزير المال يوفال شتاينتس إنه «لا غفران ولا تسامح مع غولدستون على فريته الدموية على إسرائيل وجيشها».