(الى إيمان العبيدي ونظيراتها) مَن منّا لم يذرف دمعة وهو يشاهد ايمان العبيدي تبكي وتصرخ وتفضح كيف تناوب على اغتصابها خمسة عشر «ذكراً» من كتائب النظام الليبي «الثورية»، ثم كيف تم اختطافها على مسمع ومرآى من عدسات الكاميرات في مشهد بدا وكأنه مأخوذ من أحد أفلام المافيا. وهل أنظمة الاستبداد والقمع والنهب والطغيان المنظم سوى مافيات حاكمة، الفارق الوحيد بينها وبين عصابات المافيا أن الأولى تتحكم بأحياء أو مدن وتتقاتل في ما بينها على الغنائم وتلتزم بمواثيق وأعراف خاصة بها، فيما مافيات الاستبداد تحكم أوطاناً وشعوباً بلا أنظمة ولا مواثيق وأخلاق، وتنهب خيرات بلاد بأكملها مُراكمةً الثروات والأموال في بنوك مدن تظنها آمنة لكن ما أن تدور الدوائر عليها حتى تخسر في أيام كل ما نهبته في عقود تحت بند تجميد الأصول المالية لهذا الحاكم أو ذاك. وليت تلك الأموال تعود أو تُعاد الى أصحابها، بل انها تُسرق ثانية حين يعمد السارق الأكبر الى الاستيلاء على ما سرقه اللص الأصغر وتلك أموال الفليبين لا تزال مجمدة في المصارف الغربية منذ قرابة ثلاثة عقود على خلع الدكتاتور ماركوس ومع ذلك لم تتم إعادتها الى مستحقيها الفعليين: أبناء الفليبين. هكذا تغدو شعوبنا بين خيارين: إما الاستبداد وإما الاستعمار بأشكاله المختلفة سواء مباشرة كما حدث في العراق أو مداورة كما يحدث في بلاد كثيرة. كذلك بين سارقين: إما حاكم ظالم سارق وإما سارق أكبر يرتدي قناع الحريص على الشعوب وحرياتها فيما عينه على خيراتها وثرواتها وموقعها من مصالحه الاستراتجية. ليست ايمان العبيدي الجامعية المثقفة الحاملة شهادة محاماة سوى رمز لبلاد برمتها ولشعوب تُغتَصب حقوقها وكرامتها كل يوم على أيدي مَن يرفعون شعارات حمايتها وصونها، وكم من مظالم تم ارتكابها فيما مرتكبوها ينتحلون صفات ليست لهم ولا فيهم. بحيث تغدو «الثورية» قناعاً يحجب في ظن منتحليه حقيقة الفظائع التي يرتكبونها. لا شك في أن الشعوب العربية كسرت حواجز الصمت وحطمت جدران الخوف، ولا شك أيضاً في أن الحرية والاصلاح والتغيير حقٌ لكل شعوبنا. اذ لا يجوز بأي منطق سليم أن يكون ثمة شعبٌ بسمنة وآخر بزيت. لكن الأكيد أن ثمة ظروفاً ومعطيات تختلف باختلاف البلدان والمجتمعات والانظمة، ولهذا رأينا تماثلاً واتفاقاً في عبارة: الشعب يريد.... وتمايزاً واختلافاً في ماذا يريد؟ هنا يريد اسقاط النظام وهناك يريد اصلاحه، هنا يريد رحيل الرئيس وهناك يريد رحيل الحكومة، وهنالك حيث الجرح الدائم يريد انهاء الانقسام. ولعل هذا الشعار الآتي من قلب فلسطين التي ترزح تحت ثقل الاحتلال والانقسام معاً يلخص مدى خطورة الانقسام العمودي في أيّ من المجتمعات، وهذا لبنان شاهدٌ آخر على الأمر نفسه لذا من حق الخائفين والمتخوفين والحريصين حقاً على شعوبهم وأوطانهم ومجتمعاتهم أن يقرعوا نواقيس الخطر تجاه أي حراك أو غضب يؤدي الى انقسام الشعوب والمجتمعات عمودياً لأن الثورات الحقيقية الناجحة هي التي تخلق انقساماً افقياً بين شعوب مظلومة وحكّاماً ظالمين، لا تلك التي تسفر عن صراعات دموية طائفية ومذهبية وعرقية وقبيلية ومناطقية الخ... فلا تُنتج سوى الخراب والتفكك وانحلال الدول وضياع الكيانات واستدارج الخارج الطامع الى مزيد من التدخل والتحكم ونهب الشعوب التي لا خلاص لها الاّ بوحدة تؤدي الى الحرية والعدالة والاجتماعية. بين الحرية والفتنة شعرة أشبه بذاك الخيط الفاصل بين الهزيع الأخير وأول الفجر، الفجر الأبيض الذي تستحقه ايمان العبيدي ونظيراتها.