بحت أصوات المعتصمين في ميادين التحرير وساحات الاستقلال والتغيير، وبعد صمت طويل تحررت نداءات وصيحات كانت مخنوقة لتعبر عن إرادة مسلوبة وحرية منتهكة وحقوق مهدرة للإنسان العربي المسلم. نداءات غاضبة ملت من خناقها ودفعت عنها يدا ملطخة بآثار الظلم ورائحة الجريمة، نداءات من شعب مل من مؤامرات وأده، نداءات كالسيل الهادر: الشعب يريد ويريد ويريد... ويريد المزيد، الشعب يريد أن تكون له إرادة، الشعب يريد إسقاط الهلام، الشعب يريد إسقاط اللثام عن اللئام، الشعب يريد إسقاط الأقزام، الشعب يريد إسقاط ذا وذاك وهذه وتلك، الشعب يريد إسقاط الظلام، الشعب يريد إسقاط الظلم، الشعب يريد إسقاط الفساد ورموزه، الشعب يريد إسقاط المحسوبية والجهوية، الشعب يريد إسقاط استحلال المال العام ونهب مقدراته، الشعب يريد إسقاط تهميش الشعب، الشعب يريد إسقاط التجهيل الممنهج للمجتمع المدني، الشعب يريد إسقاط الالتفاف على ثوراته، الشعب يريد إسقاط مؤامرات إجهاض الحلم العربي، الشعب يريد إسقاط تهمة الخيانة والعمالة عن الشعب الذي يريد لأنه يريد، الشعب يريد إسقاط مسلسل استغباء الشعب، الشعب يريد إسقاط سارقي المستقبل ومعاقبتهم، الشعب يريد إسقاط الوصاية القسرية، الشعب يريد إسقاط أفراد فاسدين لمصلحة شعب بالملايين، الشعب يريد إسقاط القلة الفاسدة المتنفذة، الشعب يريد إسقاط التبعية المهينة، الشعب يريد إسقاط الأيدي التي تكمم الأفواه الصادقة، الشعب يريد إسقاط كل من يدعي زورا حب الشعب، الشعب يريد إسقاط من يساومونه على أمنه وحريته، الشعب يريد إسقاط من يتلاعب بثوابته، الشعب يريد إسقاط من يكرهون العفة والحياء، الشعب يريد إسقاط الفقر والجوع والبطالة، الشعب يريد إسقاط الخوف وملاحقة الخطى وعد الأنفاس، الشعب يريد إسقاط أجهزة الخوف المركزي، الشعب يريد إسقاط تجهيل الشباب المسلم وإلهائه. الشعب يريد إسقاط نسيان قضاياه العادلة، الشعب يريد إسقاط الاحتلال عن فلسطين والجولان والفلبين ولبنان وكشمير والعراق وأفغان والشيشان، الشعب يريد إسقاط الذل عن أمة الإسلام، الشعب يريد إسقاط دعاة الكفر وتشويه الهوية المحمدية، الشعب يريد إسقاط من يخجل من جهاد نبيه الذي أنيرت به الدنيا، الشعب يريد إسقاط نسخهم المشوهة (المعدلة؟) عن الإسلام وأهله، الشعب يريد إسقاط الجهل والتجهيل والجاهلين، الشعب يريد إسقاط عضويته في منظمات الظلم الدولية، الشعب يريد إسقاط الجبن والخور والتهور، الشعب يريد إسقاط من يقتل الشعب بسلاح الشعب وباسم الشعب، الشعب يريد إسقاط التهافت والسقوط، الشعب يريد إسقاط الحسابات السرية المتخمة في البنوك السويسرية، الشعب يريد إسقاط من يشبع وشعبه يجوع، الشعب يريد إسقاط الشك والظلام، الشعب يريد الحرية وإسقاط العيش على هامش التاريخ، الشعب يريد إسقاط الشيطان. الشعب يريد ويريد، نداءات يستعذبها الشعب ولا يملون منها كأن حلاوتها تزداد بتكرارها، ولكنها تؤذي مسامع البعض من القلة وتقض مضاجعهم وتؤرق شياطينهم وتؤزهم أزّاً، ويشرف هؤلاء من أبراجهم العاجية على الجموع المعتصمة في الساحات فيصعرون وجوههم ويقولون في صمم وكبرياء مستغربين: «من هؤلاء وماذا يريدون؟ فيم ضجيجهم وهتافهم؟ ألا يكفيهم أنهم يأكلون ويشربون ويلعبون الكرة كل مساء؟ يا لهم من جاحدين، ولا شك أن هذه الجموع خونة يخدمون أجندات أجنبية»، إنهم يستغربون نداءات الشعب ويحاولون زورا وبهتانا إدعاء أبوتهم للشعب ويخاطبونه بلسان المنان ويذكرونه بمكارمهم ونعمهم على الشعب في إسطوانة مفضوحة وممجوجة قائلين: ألم أطعمكم من مالكم؟ ألم أبن لكم مساكن من خيرات بلادكم؟ ألم أمهد لكم طرقا من جيوبكم؟ ألم أبن لكم مدارس من حصاد أرضكم؟ ألم أهب لكم من مالكم منحا وعطايا؟ أنسيتم أنني من حرركم من الاستعمار والاستبداد؟ أنتم لا شىء وأنا من صنعت بيدي قصة عزكم وأسطورة مجدكم، ويصرخ صرخات مجنونة ويتبعها بضحكات هستيرية ويضرب بقبضته في الهواء ويقول منذرا للشعب: لا حياة لكم دوني فأنا الشعب وأنتم لا شيء وأنا الوطن وأنتم لا شيء وسوف أكسر عظامكم وأقتلكم جميعا لأني على حق وأنتم على باطل، يا له من جنون ما بعده جنون! إلى متى يسلبون إرادة الشعب ويستغربون نداءه ويذبحون أمله ويخططون لاغتيال فجره؟ إلى متى تستمر نظرتهم للشعب على أنه يتيم قاصر وسفيه لا يستقيم حاله إلا بحكمتهم الأبدية وولايتهم القسرية؟ ألم يعلموا أن اليتيم قد كبر وبلغ الحلم وفهم اللعبة؟ ولا مفر لهم من أداء ماله إليه كما أمر الله ورسوله، ولا مهرب لهم من سماع ندائه وإجابة سؤاله عن كل حقوقه ومعاناته ولن يغني الاعتذار عن الأمانة المضيعة.