أجرى وفد يمثل مجموعة الاتصال الدولية حول موريتانيا أمس مشاورات مع الرئيس الموريتاني المعزول سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله في مسقط رأسة قرية لمدن، تناولت تشكيل حكومة وحدة وطنية نص اتفاق لإنهاء الأزمة وُقع الخميس الماضي على أن يكلفها ولد الشيخ عبدالله إدارة مرحلة انتقالية تمهيداً لانتخابات رئاسية في 18 تموز (يوليو) المقبل. وينص الاتفاق الذي وقعه الأفرقاء الموريتانيون في داكار على محاصصة وزارية بين المعارضة وأنصار الانقلاب العسكري الذي أطاحه في آب (أغسطس) الماضي. وذكرت مصادر ديبلوماسية غربية قريبة من الملف أن الوفد الدولي حمل إلى ولد الشيخ عبدالله ترشيحات قائد الانقلاب الجنرال محمد ولد عبدالعزيز لشغل منصب رئيس الوزراء والأسماء المرشحة لتولي حقائب وزارية في حصته من الحكومة. وبموجب الاتفاق، يمنح الفريق المؤيد للجنرال ولد عبدالعزيز المرشح للرئاسة، موقع رئيس الحكومة ونصف مقاعدها، فيما يتقاسم جناحا المعارضة «الجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية» المؤيدة للرئيس المخلوع، و «حزب تكتل القوى الديموقراطية» الذي شكل كتلة المعارضة الرئيسة قبل الانقلاب، بقية الحقائب الوزارية، على أن تتولى وزارات الداخلية والمال والإعلام شخصيات مناوئة للانقلاب. وبين أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة الوزير الأول في الحكومة المستقيلة المنبثقة عن الانقلاب مولاي ولد محمد لغظف ومحمد الأمين ولد أكيك، أحد مستشاري الجنرال ولد عبدالعزيز ومدير حملته الانتخابية رئيس وفده إلى مفاوضات داكار سيدي أحمد ولد الرايس. وناقش الوسطاء الدوليون مع ولد الشيخ عبدالله أمس ترتيبات استقالته من الرئاسة بعد توقيعه مرسوم تعيين الحكومة في عودة موقتة اعتبرتها المعارضة إفشالاً رمزياً للانقلاب الذي استولى اثره جنرالات معزولون من مناصبهم على السلطة بالقوة. وبدأت التحضيرات في أوساط موالاة الانقلاب ومعارضته للانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل التي قد تكون الأكثر سخونة في تاريخ البلاد. وتأكد حتى الآن ترشح الجنرال ولد عبدالعزيز والرئيس الانتقالي السابق العقيد أعلي ولد محمد فال وزعيم المعارضة الديموقراطية أحمد ولد داداه، إضافة إلى ما يتردد عن استعداد الجبهة المناوئة للانقلاب لتقديم مرشح موحد باسم الأحزاب المنضوية تحت لوائها، يرجح أن يكون رئيس البرلمان مسعود ولد بولخير. ويرى مراقبون أن ولد عبدالعزيز في حاجة إلى تغيير خطابه واستراتيجيته بعد دخول لاعبين كبار في الساحة السياسية الموريتانية حلبة المنافسة على أعلى منصب في البلاد. وسيكون من الصعب على أي من المرشحين حسم نتيجة الانتخابات لمصلحته في الجولة الأولى بسبب الانقسام السياسي الحاد داخل البلاد ووجود ثلاث كتل رئيسة كبيرة. وسيعمل كل مرشح على بناء تحالفات حزبية وأخرى قبلية وجهوية سياسية لضمان البقاء في السباق حتى الدور الثاني المقرر في مطلع آب (أغسطس) المقبل. ويرتكز خطاب ولد عبدالعزيز الشعبوي على محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين ومجابهة الفقر. ويتطلع الجنرال الشاب إلى «بناء موريتانيا جديدة وإرساء حكم شعبي». وأظهر خلال حملته الانتخابية الممهدة للاقتراع الرئاسي الذي كان مقرراً أمس وألغاه اتفاق داكار، عداءً غير مسبوق للطبقة السياسية التقليدية المتهمة بالفساد. وتدعم القيادات الأمنية والعسكرية الرئيسة وفريق «حجب الثقة»، أي الغالبية البرلمانية المؤيدة للانقلاب، ترشيح ولد عبدالعزيز الذي تعتبره المعارضة الحاكم الفعلي للبلاد رغم استقالته وتولي رئيس مجلس الشيوخ رئاسة الدولة بالنيابة. وتبقى حظوظ ولد محمد فال غير واضحة في انتظار إعلان جبهات جديدة اصطفافها إلى جانبه، خصوصاً أن الخارطة السياسية تغيرت بعد الانقلاب، فيما يتطلع المعارض التاريخي العنيد ولد داداه الذي ينافس للفوز بالرئاسة منذ نحو عشرين عاماً إلى تتويج مسيرته النضالية الطويلة ضد الأحكام العسكرية والاستبداد السياسي بفوز تاريخي يبدو ممكناً في نظر المراقبين إذا استمر التحالف مع الجبهة المناوئة للانقلاب.