للمجتمع السعودي سمات ومعطيات «خاصة»، ربما يختلف بها عن غالبية المجتمعات العربية حوله، وإن تقاطع معها في بعض الأمور، لكن يضل الموروث الثقافي والبيئة التي نوجد فيها والدين بالطبع تشكل ما يستمده الفرد السعودي للتعبير عن ذاته، وكيف يتفاعل معه، ويمثله بشتى الطرق. لأنه بالنهاية هو جزء من المجتمع وما يعبّر به عن دواخل نفسه يتقاطع حتماً مع أي فرد آخر من أفراد المجتمع.. أي ربما يجد فيه البعض ذاته أيضاً، من خلال ذلك الشيء المُعبر عنه. وفي اعتقادي أن هذه إحدى أسمى رسائل الفنان التشكيلي، وهي جعل الفرد يكتشف ما بداخله من مشاعر جديدة، وغير مأهولة يشترك فيها البعض، وإن اختلفت الزوايا في أخذها مكاناً في داخل الإنسان. أيضاً لا يمكننا إغفال أن حال التغذية المستمرة للإبداعات الفنية والفكرية والأدبية هي إثبات لوجود شعب من خلال موروثاته والفكر السائد فيه، وحال التجديد المستمرة لإعادة الاكتشاف، إنما عملية تطويرية تنويرية، وإن تمت بشكل بطيء، إلا أنها تتقدم بشكل راسخ وثابت لأن بذلك المجتمع هو من يقترب لحقيقته وجوهره أكثر وما يشكل معضلاته وما يمثله في خريطة هذا العالم بشكل أعمق، مع أنني شخصياً ضد أن يقوم الفنان التشكيلي بدور المصلح الاجتماعي، لكن ربما حال التوثيق التي يمارسها تفتح باب النقد التي تترك المجتمع فيها يبني نفسه. كل مجتمع حتماً يتخيل خطوطاً حمراء لا يمكننا المساس بها في التطرق لأي موضوع سواء أكان في الأدب أم التشكيلي أم الدراما، لكن لا يمكن أن نعرف تحديداً من يفرض تلك المعايير، هل هي الجهات المسؤولة أم الأعراف بين أفراد ذلك المجتمع أم هو وهم ما نرزح تحته، ويخيّل لنا بأن معطيات معينة، ربما تكون من محرمات التعبير عنها. في أحد المعارض الشخصية المقامة في مدينة الخبر، قبل فترة قصيرة، لفنان من مدينة الأحساء، كانت أحد أعماله تتطرق لفكرة التعايش وعثرة التصنيف والتفرقة في المجتمع. الجميل أن العمل المفاهيمي المعروض لم يواجه أي تردد من وزارة الثقافة والإعلام وصُرح له، بينما نحن الفنانين شعرنا بشيء من القلق تجاه تقبل الناس للفكرة والتفاعل معها، إذ لم يعتد الفنان السعودي على هذا النوع من الجرأة في الطرح، أن يكون صادقاً نحو بيئته ليشير إلى عثرات التوافق الاجتماعي المتخيلة ربما في نفس ذلك الفنان. على صعيد آخر مثلاً، الأديب السعودي قطع شوطاً كبيراً في الإشارة إلى شوائب بمجتمعه ومعتركات نفس الفرد في بيئته. لكن التشكيلي من ناحية أخرى، يكاد يخنق نفسه، لذا السؤال هنا، هل نشهد مرحلة انتقاليه في شكل التعبير التشكيلي؟ أم هي مساحة الفن المفاهيمي التي تخلق هذه المرونة في خلق جرأة لتناول قضايا وأفكار بشكل أقل صدامية؟ بكل تأكيد نحن الآن في منطقة أكثر رحابة في المدى التعبيري للفكرة، لكن هل سنواجه ذلك القلق أم نسايره حتى يصغر شيئاً فشيئاً. نحن بيئة سعودية نملك معطيات غزيرة تستحق التأمل في المجال الفكري والفني، لكن ما زلنا نجد الفنان يتجنب الصدام النقدي لمجتمعه، بل ربما هذه المرحلة التي نشهد فيها تطور المشهد التشكيلي تنمي طريقة خاصة لذلك الفنان، يشكل فيها لغة مختلفة لا تأخذ شكل السلب أو الإيجاب تجاه مجتمعه، لكن يظل الجوهر المهم فيها هو الصدق في الفكرة وحقيقة وجودها. * تشكيلية كاتبة سعودية.