أكد الفنان والكاتب التشكيلي أحمد فلمبان أن التشكيليين السعوديين يعيشون في بيئة لا تعترف بالفن، وأن المثقفين فيها يعانون من ظلم المجتمع ورفضه لإنتاجهم وبخاصة المبدعين. مشيراً إلى أن الأمثلة كثيرة ممن هاجروا إلى بيئات وأمم قبلتهم واعتنت بهم واعترفت بفنونهم وإبداعاتهم. وقال فلبمان في حوار مع «الحياة» إن التيار المضاد أقوى، لافتاً إلى ضرورة مواصلة النضال بسلاح الرسم، الذي هو حياته ومنفذ لتظلمه واستيائه ورفضه. ووصف لائحة جمعية التشكيليين ب«المريضة». مشيراً إلى أنه تم استيرادها من دول أخرى، مؤكداً سلبية أول مجلس لإدارة الجمعية، الذي كان سبباً في رأيه، في عرقلة توجه واهتمام الوزارة بالمشهد الثقافي والتشكيلي بصفة خاصة، وأنهم لم يكونوا في مستوى الحدث والتطلعات. إلى نص الحوار: في سيرتك الذاتية «ذاكرة على السطح» نعثر على سيرة للنجاح، كما نجد صوراً للإحباط واللامبالاة، نجاحك أنت في بيئة محبطة، هل أفرغت كل ما تريد أن تقوله في سيرتك، هل كنت تكبت سيرتك أم تنتقم من شروط لا تعبأ بالفنان؟ - إذا تحقق لي شيء من النجاح فهذا بفضل الله ثم بفضل تربية الوالد (رحمه الله) الذي غرس في شخصيتي الإخلاص والانضباط والإتقان في العمل، والحياة لا تخلو من المشكلات والإحباط والرفض والجحود والعداوة والمكر وخصوصاً في الفن، والكتاب هو لسيرتي الذاتية، وهو استحضار ذكريات الطفولة والدراسة والغربة والوظيفة والفن وعلاقتي بأنواع الفنون شتى ونضالي لأجل الفن الذي يمنح الحياة بهجتها ويكسر رتابة القبح وبلادة الأشياء. واجهت سلسلة من الإحباط والخسائر المادية والتعب الجسمي والإجهاد المعنوي، وما زلت في دوامة اغتراب هذا الفن في مجتمع يبغضه وبيئة فنية مصابة بالعاهات، كتبت بعضاً منها ومعانيها بين السطور، وهناك الكثير من المعاناة والألم مدفونة في ذاكرتي والأنين مرسومة في لوحاتي. محنة الفن ومأساة الفنان، إلى متى يمكن ترديد ذلك ونحن نفكر في التشكيليين السعوديين؟ - نحن في بيئة لا تعترف بالفن، وهذا اعتقد إشكال العالم العربي، والمثقفون فيه يعانون من ظلم المجتمع ورفضه لإنتاجهم وبخاصة المبدعين، والأمثلة كثيرة ممن هاجروا الى بيئات وأمم قبلتهم واعتنت بهم واعترفت بفنونهم وإبداعاتهم، لأنهم مبدعون لنتاج فكري إنساني هدفه إضاءة شعلة روحية قصديه جماعية في محيطهم ومجتمعهم لأنهم وفنهم جزء من التجربة الإنسانية، والفن التشكيلي عندنا عبارة عن نشاط ويبالغ الكثيرون بما فيهم الأكاديميون والفنانون بتسميته ب«الحركة التشكيلية السعودية»، وهو في وضعه الحالي ما زال يقف في حدود «الظاهرة»، ولم يصل إلى مستوى الحراك بمفهومه الشامل المبني على اتجاهات فكرية ثرية ومضامين وأساليب جلية وخطوط فكرية فلسفية واضحة، ووجود المؤسسات والكوادر الفنية المساندة (أكاديميات ومعاهد ومتاحف وصالات عرض فنية محترفة ونقاد وإعلام متخصص ومصادر تعلم)، وما يجري على أرض الواقع عبارة عن نشاط ينتهي بنهاية الحدث، وهذا لا يساعد بأية حال من الأحوال في الارتقاء إلى مستوى «الحراك»، إنه موقف فني محدود بائس لا يرنو إلى عملية التجديد والتطوير. في سيرتك نضال لأجل الفن في مجتمع لا يعترف بالفن ولا يعرف كيف يقتنيه، هل تشعر أنك ربحت نضالك في ختام المطاف؟ - التيار أقوى (كمن يقارع الحجر ببيضة)، ولكن ما عليَّ إلا مواصلة النضال، وسلاحي الرسم الذي هو حياتي ومتنفس للتوتر والقلق ما بداخلي، ومنفذ لحاجتي وتظلمي واستيائي ورفضي ومشاكستي، وتعبير خاص بي لحال نفسية معينة، وتفاعل أحاسيسي مع الإنسان والإنسانية في شكل عام، مع استنباط وإدراك الروابط الغامضة في سبيل تقديم الإنتاج الفني الذي يمثلني ويشبهني ويحمل صفاتي وملامحي ومشاعري ومعاناتي كإنسان، أرسم عندما يأتيني شغف العمل والإلحاح على التخلص من قيد الفكرة التي أعيش في عالمها، أرسم المواضيع التي تروق لي وبالمقاسات التي تتوافق معها وتناسبها من دون الدخول في مساومات الحجم والموضوع وخلافهما التي تحد من حريتي، ولا أذعن لتنفيذ الطلبات وتلبية أذواق المتسلطين أو المشاركة في فعاليات المنافقة أو المقاولات الفنية، ولا أوظف فني لأجل المال أو المساومة عليه وتوظيفه للوجاهة أو الإهداءات للمجاملة وإرضاء الأوصياء، يهمني المتلقي الذي يعجب باللوحة ويقدرها ويفهمها وتعبر عنه وعن وجدانه ومشاعره يتأملها يحاورها ويستنطق خفاياها وأسرارها، ولا يهدف لاقتنائها لمجرد الزينة أو للاستثمار. هل بعدت المسافة كثيراً بين منتصف الستينات الميلادية حين ذهبت لدراسة الفن في روما وبين الآن، أي تغير طرأ على المشهد التشكيلي؟ هل من تفاؤل يمكن العثور عليه هنا أو هناك؟ - لا تزال تربطني بالكثير من الفنانين في إيطاليا علاقات وطيدة قائمة على الود والتقدير، نتواصل نتشاور نتحاور ونشارك في المعارض والفعاليات الفنية، وهناك فرق بين الحالين، عند عودتي بعد الدراسة كان عدد الفنانين هنا قليل وكانت القلوب لبعضها يرفرف علينا الحب ويجمعنا الاحترام والتقدير والاعتراف بالفضل، أما الآن ومع كثرة عدد الفنانين، اندثر هذا التعامل الإنساني، إذ تفشت ظاهرة الجحود والمكابرة والغرور وتدني مستوى الوعي الثقافي والجمالي، وأنا لست متفائلاً بالواقع بسبب فلتان الوضع التشكيلي وغياب المعايير، الكل أصبح «فناناً عالمياً وناقداً ورائداً وصائداً للجوائز وفارساً للتشكيل ورائد الرسم بالقهوة ورائد التكعيبية السعودية ورائد الأيربش و و... إلخ»، هذه الصفات التي لم يكتسبها أباطرة الفن العالمي الذين تركوا أثراً ونهجاً للفن والحضارة الإنسانية، ناهيك عدم فاعلية الجهات المشرفة التي لا تعتني بهذا الفن ومحاولة مواكبة العالم ولو على الأقل دول الجوار. أجدت اللغة الإيطالية في أربعة أشهر وتخرجت بتفوق كأحسن طالب في دفعته للعام 1970. وحصلت على الميدالية الذهبية وأدرج اسمك في القاموس العالمي للفنانين، ماذا يعني لك كل هذا اليوم؟ - هذا الإنجاز يعني لي الكثير وكان الحافز لي على مواصلة العمل والعطاء في سبيل الفن، والإسهام مع الزملاء الفنانين في التعريف بالفن التشكيلي السعودي على النطاق العالمي وخدمة الوطن في هذا المجال، وهذا فتح لي المجال في المشاركات الدولية وبدعم ورعاية عديد الجهات والمؤسسات الفنية العالمية في إيطاليا والنمسا وهولندا والدنمارك وألمانيا. كرمك الرئيس الإيطالي بوسام النجمة الذهبية بدرجة فارس، ومنحتك الجمعية العالمية للفنون والثقافة الإيطالية درجة مايسترو للعام 2011 فبماذا كرمتك المملكة، وهل تنتظر تكريماً من أحد؟ - الوسام الذي خصني به رئيس الجمهورية الإيطالية كأول فنان سعودي يتحصل عليه وغيره من التكريم الذي تحصلت عليه من إيطاليا، لا شك في أنه اعتراف منهم لي وإنجاز ومهم في حياتي الفنية، وهذا يأتي تقديراً وعرفاناً لمشاركاتي المتعددة في المعارض والفعاليات والمهرجانات الفنية، وإقامة المعارض الشخصية وحصولي على عديد الجوائز العالمية المتقدمة منذ العام 1968 بجهود ذاتية ودعم الجهات الدولية، وهنا كرمتني وزارة الثقافة والإعلامكرمز تشكيلي سعودي عن مسيرة عطائي، وكذلك إطلاق اسمي من معرض الكتاب الدولي كأحد رواد الفن التشكيلي، وكرمتني غاليري حوار كنموذج كفء وافر العطاء في إثراء ودعم الفن التشكيلي السعودي، والمملكة أعطتني الكثير، فمكة المكرمةمسقط رأسي وهي أرض أجدادي ترعرعت فيه،ا والسماء التي ظللتني بحنانها وعطفها يكفي أنها أوصلتني لإيطاليا في بعثة دراسية ومهدت لي الطريق نحو العالمية. في كتابك «التشكيليون السعوديون» جمعت حوالى 438 فناناً وفنانة، وعرفت بالتجربة الجمالية وبالمغامرة الإبداعية... من جهة أخرى كيف رأيت الكتب التي أنجزها كل من عبدالرحمن السليمان وعبدالعزيز عاشور، وأي أثر إيجابي تركته في المشهد التشكيلي؟ - اطلعت فقط على كتاب عبدالرحمن السليمان وهو معروف وأستاذ الحرف ومعلمي في هذا المجال، أما الآخران فلم أطلع عليهما، وفي كل الأحوال جهودهم جيدة ومشكورة وأثرها كبير وإيجابي على الفن التشكيلي السعودي، حتماً ستثري المكتبة الفنية السعودية وتسد العجز في الكتب والمراجع المتخصصة في الفنون التشكيلية، والموجود قليل ولا يُسمِن ولا يُغني من جوع، ونتمنى مزيداً ونأمل من وزارة الثقافة وجمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية ودور النشر تشجيع ودعم المؤلفين والباحثين على خوض غمار التأليف والبحث في الفن التشكيلي السعودي.