أوضحت التشكيلية والكاتبة زهرة بوعلي أن المشهد التشكيلي في المملكة يعاني التفكك والفردية المستعصية، واعتبرت مشاركتها في التظاهرة التشكيلية الضخمة التي أقيمت أخيراً في باريس بداية مرحلة جديدة من التواصل الفني عبر الثقافات. وقالت زهرة بوعلي في حوار مع «الحياة» إن مشاركتها جاءت ضمن جناح «مجموعة الفنانين المستقلين» التي لها تاريخها العريق في فرنسا، إذ تأسست عام 1884. مشيرة إلى أنه من هنا تأتي أهمية المشاركة بالنسبة إليها، ومؤكدة أن ذلك يحملها مسؤولية أكبر للاستمرار في تطوير تجربتها. ولفتت إلى أن معظم من يشتغلون في الفن المفاهيمي يجهلونه تماماً. إلى نص الحوار: مشاركتك في المعرض الدولي الذي أقيم في باريس ماذا عنت لك؟ وأي فرص يحققها للفنانين المشاركين فيه؟ - معرض «Art En Capital» عبارة عن تظاهرة تشكيلية سنوية ضخمة تقام في القصر الكبير في باريس، برعاية من رئيس الدولة ووزيرة الثقافة الفرنسية. مشاركتي في هذا المعرض كانت بعملين كعرض ضمن جناح مجموعة الفنانين المستقلين التي لها تاريخها العريق في فرنسا، إذ تأسست عام 1884. من هنا تأتي أهمية هذه المشاركة بالنسبة إليّ باعتبارها نقطة بداية لمرحلة جديدة من التواصل الفني عبر الثقافات، لكنها في الوقت ذاته تحملني مسؤولية أكبر للاستمرار في تطوير تجربتي الفنية. كما أعتبرها محرضاً كبيراً على تقديم أعمال أطمح إلى أن تستوقف أي متلقٍ في أي مكان. ما شاركت به من أعمال في معرض باريس هل هو جزء من تجربة جديدة؟ وما أبرز ملامحها؟ - مشاركتي كانت بعملين، هما جزء من تجربة بعنوان: «في بهو الموسيقى» وتحوي 26 عملاً تقريباً، بين رسم أكريليك وحفر وطباعة وأعمال نفذت بتقنيات منوعة قدمتها في معرض «بين روحين» 2012. ما سعيت إلى تحقيقه في هذه الأعمال أن تكون غير مباشرة من ناحية طرح الموضوع ومن الناحية التقنية أيضاً، إذ يبرز الشكل ويختفي تحت تراكمات المعالجات اللونية التي هي ذاتها جاءت نتيجة لتراكمات حسية وذهنية حينها، فجاءت العلاقات داخلها محملة بالأحاسيس، ولكنها مفتوحة أيضاً على العديد من الاحتمالات تبعاً لرؤية وتفاعل المشاهد. كيف تقاربين تشكيلياً مواضيعك؟ وهل تختارينها أنت أم هي تمارس ضغطاً عليك حتى تنجزينها؟ - مواضيعي في غالبيتها أشبه بالبحوث التشكيلية، لذلك فهي تتطلب العديد من الأعمال لاكتمالها، وكل مشروع أنجزه يأخذني إلى أبعاد جديدة، ويفتح لي مواضيع أخرى مقبلة وبالتالي مرحلة مختلفة. قد أختار مواضيعي، ولكني كثيراً ما أترك لها حرية التحليق باتجاهات مغايرة. في المقابل، قد تؤجل هذه الاختيارات حتى لو كانت في مرحلة التنفيذ، نتيجة لإلحاح مواضيع أخرى قد تشكل اهتماماً أو هاجساً في تلك المرحلة. بين هذا وذاك، قد أخرج أحياناً عن المسار لألهو بأدواتي وألواني وأتبع تلقائية اللحظة. بالنسبة إلى الخامة هل تمثل سؤالاً دائماً بالنسبة إليك كتشكيلية مهمومة بتطوير تجربتها؟ - اهتمامي الدائم بمعرفة الخامات والتقنيات يأخذني إلى اكتشاف إمكاناتها اللا محدودة في التجربة التشكيلية، وهو جزء من إيماني بأهمية المعرفة في الفن، سواء التقنية أم النظرية. هناك دوماً مزيد مما يمكن تحقيقه في العمل الفني. المهم هنا كيف يتم استخدام هذه الخامات أو التقنيات لتعزيز المستوى الفني والبعد الجمالي للعمل، وليس العكس. اللحظة الراهنة تفرض على الرسام أن يكون أكثر من رسام، أن يتعاطى مع قضايا المجتمع كما لو كان ناشطاً، كيف ترين هذا الأمر؟ - من الطبيعي أن يتفاعل الفنان مع قضايا مجتمعه كونه أحد أفراده، وقد ينعكس هذا في ما يقدمه من مواضيع تشكيلية، ولكن ليس مطلوباً من الفنان أن يكون ناشطاً أو مصلحاً اجتماعياً. برأيي، المبدع ينتمي إلى الطاقة الخلاقة في المجتمع، فكلما كانت اهتماماته وثقافته أكثر رحابة لتشمل البعد الإنساني، وكلما كانت آفاقه أكثر انعتاقاً، كلما قدم أعمالاً أكثر عمقاً وقدرة على تجاوز المواضيع المحدودة باللحظة الراهنة. أعمال قادرة على محاورة المتلقي أينما كان وفي أي وقت. إلى أي حد أصبح لدينا وعي تشكيلي محوره المجتمع وهمومه، وعي ينهض به التشكيلي والتشكيلية معاً؟ - التشكيليون والتشكيليات هم نتاج هذا المجتمع، ووعيهم ناتج عن مستوى تطوره، وهم أيضاً الفئة الأكثر حساسية تجاه همومه، لكن وعيهم التشكيلي لا يجب أن يقتصر على محور المجتمع وهمومه. بل يتعداه بخطوات إلى آفاق أرحب وأشمل، ليتمكنوا من تطوير تجاربهم التشكيلية. ما ينقصهم وينقص المجتمع كذلك، للنهوض بهذا الوعي هو وجود بنى تحتية ومؤسسات للفن والثقافة. في المقابل، لا بد للمجتمع أن ينهض بوعيه الفني وأن يتعامل مع التشكيل كضرورة حياتية ترتقي بالذوق الجمالي والأخلاقي. نحن بحاجة إلى مجتمع يحتفي بطاقاته الخلاقة ويرعاها، لتعطيه إبداعاً وحضارة. يوجد حالياً ما يشبه السجال حول الفن المفاهيمي أو فنون ما بعد الحداثة، كيف ترين هذا السجال؟ وهل ترين عمقاً في هذه التجارب «المفاهيمية»؟ - الفن المفاهيمي (conceptual art) هو أحد الفنون البصرية المهمة التي أثبتت وجودها في التاريخ الفني. وهو فن يعتمد على الفكرة في المقام الأول وعلى نظرة مختلفة للأشياء، وتوظيفها بكل الطرق الممكنة والخارجة عن الأطر التقليدية لتنفيذ العمل. الجميل في هذا الفن إذا ما كان متمكناً ومتكئاً على معرفة جمالية وثقافية عميقة، أنه يأخذنا إلى أماكن بصرية وذهنية لم نكن نعرف أنها ممكنة. يصدمنا ويحاورنا بطريقة لم نعتدها، وهذا بحد ذاته يفتح آفاقاً جديدة. لدينا القليل من التجارب الجادة في هذا الفن، وهي تمثل البدايات في تاريخنا التشكيلي. في المقابل، هناك الكثير ممن اقتحموا هذا المجال في شكل سطحي وغير معرفي، وقدموا أعمالاً رديئة ليست لها أية علاقة بهذا الفن. المشكلة هنا تكمن في استسهال ممارسة هذا النوع من الفنون ممن يجهلونه تماماً، كما يحصل أيضاً في الفن التجريدي وكذلك النقد الفني. المشكلة الأخرى هي تدني الثقافة الجمالية العامة، بحيث تمرر أعمال رديئة وتوثق من ضمن التاريخ التشكيلي لدينا. لذا أي سجال حول الفن المفاهيمي المحلي أو الفن التشكيلي في شكل عام لا يأخذ هذا في الاعتبار، لا يمكن أن يضيف الجديد إلى منجزنا التشكيلي. بدأنا منذ فترة نقرأ ونسمع عن أرقام خيالية تباع بها أعمال بعض الفنانين السعوديين، بخاصة في المزادات العالمية، كفنانة من داخل الحقل نفسه، كيف تتعاطين مع هذه الأرقام؟ - كلنا في الوسط التشكيلي نطمح إلى أن تصل أعمالنا إلى المقتني الحقيقي وإلى قيمتها الحقيقية بحسب تصورنا، ونسعد عندما يحقق أي من فنانينا المحليين الوصول إلى المزادات العالمية، المهم أن يكون المحرك الأساسي لهذا، هو القيمة الجمالية الحقيقية للعمل الفني ووجود المقتني الحقيقي، وليس موجة موقتة للتحكم في السوق الفنية. كيف ترين المشهد التشكيلي في شكل عام؟ وهل ما زلت تأملين بأن تقدم جمعية التشكيليين عوناً ملموساً للفنانين؟ - المشهد التشكيلي يعاني من التفكك والفردية المستعصية. هناك أمور لا بد لنا من تجاوزها إن كنا فعلاً حريصين على التقدم بواقعنا التشكيلي. لا بد لنا من احترام الآخر وتقبل وجوده ممارساً في المجال نفسه، لا بد أن نلغي ثقافة الإقصاء والوصاية والذات المتضخمة، أن نتقبل التنافس التشكيلي برحابة وبإيجابية لنحقق التطور في الفن، وأن ننظر إلى تجربة الآخر على أنها مكملة لتجاربنا. ما لم نتجاوز هذه العقبات، سنظل حيث نحن، وسيظل الأمل ضعيفاً في أن تتعافى جمعية التشكيليين وتكون رافداً لهم.