أثار القرار القضائي الأخير بالإفراج عن النائب جواد الشهيلي بعد ثبوت تورطه في تهريب مدير التجهيزات الزراعية، الذي كان يقضي عقوبته، من السجن بسيارات موكبه الخاص، ردود أفعال متشنجة من قبل الصحافيين والناشطين في مجال مكافحة الفساد. فالشهيلي الذي ثبتت عملية تورطه في تهريب متهم باختلاس مبالغ كبيرة ومحكوم بالسجن لعامين، أقدم على إخراج الأخير من مركز شرطة الثنى في منطقة زيونة باستخدام سيارات موكبه، الأمر الذي أثبت تهمة أخرى ضده وهي التورط في قضية الفساد التي اتهم بها عصام جعفر عليوي مدير التجهيزات الزراعية. قرار القاضي كان الحبس سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ ودفع غرامة مالية قدرها 200 دينار عراقي أي اقل من عشرين سنتاً، مبرراً الأمر بأن الشهيلي شاب وطالب دراسات عليا لذلك تم إيقاف التنفيذ. القرار واجه حملة على مواقع التواصل الاجتماعي شكّكت في نزاهة القضاء العراقي وفي إجراءات هيئة النزاهة في البلاد. هذه ليست المرة الأولى التي يتم الإفراج فيها عن نائب او وزير فاسد، ومع ذلك يقول مسؤول الإعلام في هيئة النزاهة التي تعد اهم مؤسسة رقابية، سمير الحسون ل «الحياة» ان «هيئته نجحت في الحد من جرائم الفساد المالي والإداري من خلال تطبيق إجراءات صارمة بحق المخالفين والمتورطين بقضايا الفساد». رئيس الهيئة حسن الياسري اعلن في مؤتمره الصحافي الأخير عن استصدار 2923 أمر استقدامٍ و 880 أمر قبضٍ، وإحالة 1255 مُتَّهماً بقضايا فسادٍ على القضاء، مُؤكداً إعادة ما بذمَّة 33 مسؤولاً سابقاً. وقال ان «الهيئة استرجعت ومنعت هدر وأوقفت صرف قرابة بليون دينار عراقي، أي ما يعادل مليون دولار، مُبيِّناً أنَّ الأموال العامَّة التي اسْتُرْجِعَت أو التي صدرت أحكام قضائيَّة بردّها والتي تمّت إعادتها إلى حساب الخزينة العامة بلغ مجموعها (938.166.992.968) بليون دينارٍ. مضيفاً أنَّ مجموع المشمولين بقانون العفو العام في ما يتعلَّق بقضايا الفساد المحالة من الهيئة بلغ (1614) مُتَّهماً في (602) قضية جزائية. وتابع: تم تنفيذ 91 عمليَّة ضبط، اختلاس اموال منها 14عملية نُفِّذت من قبل مديريّة تحقيق بغداد تحديداً، و 77 عملية نُفِّذت من قبل مديريات ومكاتب التحقيق التابعة للهيئة في عموم المحافظات عدا إقليم كردستان، مُشيراً إلى أن عدد المتهمين في تلك العمليات بلغ 83 مُتهماً، وإلى أنّ الأموال التي تمَّ ضبطها في تلك العمليَّات قاربت الخمسين بليون دينار. وقال ان الهيئة اعدت ملفاً خاصّاً بالهاربين المطلوبين في قضايا الفساد يتضمن 184 ملفاً، كما عملت على26 ملفّاً لاسترداد الأموال المُهرَّبة. لكن مصادر مطلعة اكدت ل «الحياة» ان «تدابير الهيئة لم يطبق منها الا ما يخص اصحاب الدرجات الوظيفية البسيطة كونهم خارج المظلة الحزبية والسياسية، بل ان بعضهم حتى بعد خروجه من المنصب تحميه كتلته او حزبه الذي ينحدر منه كما حصل مع وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني، الذي اعتقلته الشرطة الدولية في مطار بيروت، ووفق المصادر فإن حزب الدعوة دافع عنه بطرق غير معلنة تتنافى وبياناته الرسمية التي تحدثت عن انشقاقه». وتابع المصدر ان «ملفات الفساد لا تقتصر على المتصدين للمنصب اذ يمتد الأمر إلى عائلاتهم وهناك ملفات خطيرة، من بينها الاتجار بالبشر وتحديداً النساء والأطفال، تورطت فيها زوجة وزير سابق، ناهيك عن أخرى مركونة ولم يجرؤ احد على تحريكها كونها تخضع لمساومات مالية وحزبية. وهناك ملف التورط في أعمال عنف وإرهاب أو تهريب الأسلحة والتعاون مع «داعش» وغيرها من الملفات التي تمسّ أمن المواطن». يقول عضو لجنة النزاهة النيابية هاشم الموسوي في تصريح إلى «الحياة» ان «هناك هوة كبيرة بين السلطة التشريعية وهيئة النزاهة حيث لا تواصل بين الجانبين، ولا نحصل على الإجابات اللازمة لمخاطباتنا الرسمية، وعادة ما يكون الجواب حاضراً في كل حالات الاستفسار، ان الإجراءات تخضع للسرية لحين استكمالها وإعلان التقرير الخاص بها». وأضاف «نسعى إلى توحيد الجهود مع هيئة النزاهة لملاحقة الفاسدين وتحقيق الدعم اللازم لعملهم بأجواء شفافة بعيدة عن المحسوبية»، وتابع «التقارير التي تصلنا من الهيئة بروتوكولية». الخبير في مجال مكافحة الفساد حسين التميمي اكد ل «الحياة» ان «اجراءات مكافحة الفساد المعتمدة في البلاد لم تحقق النتائج المطلوبة، وهي في حاجة الى تفعيل جهودها من خلال اختزال بعض الفقرات الروتينية التي تمهد للمدان فرصاً سهلة للخلاص او لتمييع القضية لأسباب كثيرة من بينها ان اغلب الأطراف السياسية لديها من يؤمّن لها الحصانة اللازمة من اجراءات هيئة النزاهة. بمعنى آخر إن أغلب المؤسسات الحكومية التي تشكلت بعد عام 2003، هيمنت عليها المحاصصة الحزبية والطائفية وبالتالي تحقق الهدف المنشود للمدانين. واستدرك ان الإجراء الأخير، الذي ستعتمده الهيئة من خلال الإعلان عن هوية المدانين بملفات الفساد، مهما كانت صفتهم الرسمية او المذهبية، سيدعم اجراءات الهيئة وسيحفز الأجهزة الأخرى المرتبطة بها لتنفيذ مهمتها بسهولة من دون تدخلات.