بدأ البريطاني أكرم خان مشواره مع الرقص وهو في سن المراهقة عندما كان يسكن في لندن مع أهله في منزل يقع فوق المطعم الهندي الذي كان يملكه والده ويديره بمهارة. وكان خان، وهو من أصول بنغالية، يدعي الذهاب إلى المدرسة كل صباح ويخرج من البيت العائلي حاملاً حقيبته ومرتدياً الزي الرسمي. وعندما كان يبتعد عن المنزل أمتاراً قليلة، كان يختبئ في كراج للسيارات طيلة النهار ويتدرب بمفرده على رقص «الكاتاك»، وهي رقصة هندية صعبة تتطلب تجنيد الجسم كله في شكل لا يرحم العضلات، ليعود بعدها إلى أمه وأبيه في المساء راوياً لهما نهاره المدرسي الطويل والمرهق. استمر خان في ممارسة «فعلته» تلك مدة تسعة شهور كاملة، كوَّن لنفسه في خلالها جسماً رياضياً قوياً ومهارة فريدة في الرقص بفضل ليونته المكتسبة. لكنه، في المقابل، فشل في امتحان نهاية العام واضطر إلى الاعتراف بما فعله أمام ناظر المدرسة الذي صرّح للوالدين بأنه لم يلحظ أكرم في الفصل (الصف) طوال العام الدراسي. أعاد خان السنة الدراسية في العام التالي، واستمر في تدريباته الراقصة، ولكن بطريقة ثانية متزنة. ثم شاء القدر أن يطلب المخرج المسرحي البريطاني المقيم في باريس بيتر بروك مقابلته من أجل منحه أحد الأدوار الرئيسية في مسرحية «مهاراباتا» التي عرفت لاحقاً نجاحاً منقطع النظير، والتي ضمت مجموعة من الممثلين المحترفين وغير المحترفين من أصول متعددة شرقية وغربية. وصار خان ممثلاً قبل أن يعاود مشواره مع الرقص، مقدماً على مدار السنوات العشر الأخيرة مجموعة من العروض التي يخرجها وحده أو بصحبة بضعة نجوم، مثل راقصة الباليه الفرنسية سيلفي غيليم، والراقص المغربي الجذور سيدي العربي شرقاوي، وثم نجمة السينما والمسرح الفرنسية جولييت بينوش. وبما أن خان لا يؤمن إلا بالتحديات، راح يخرج عرضاً لملكة الغناء الأسترالية كايلي مينوغ، على رغم أن أسلوبه في الرقص لا يمت بصلة إلى اللون الاستعراضي (الديسكو) الذي يميز المغنيات من طراز مينوغ ومادونا وليدي غاغا. ويعترف خان الآن بأنه تمنى خدمة مينوغ بطريقة أكثر فعالية من تلك التي نفذها، ولكنه لم يتمتع من قبل بأي خبرة في لونها الموسيقي والراقص، فخاض التجربة بقدر استطاعته ولكنها لم تخلُ من العيوب. ويقدم خان حالياً عرضاً جديداً بعنوان «فيرتيكال رود» (الطريق العمودي)، ويفسر أن هذا الطريق هو الذي يوصل المرء بربه في هذا الزمن الأفقي تماماً والمبني فقط على العلاقة الموجودة بين الإنسان والتكنولوجيا المجردة من أي روح. ويضم العرض ثمانية راقصين وراقصات من هويات مختلفة عربية وآسيوية وغربية، «لأن العالم صار في حاجة ماسة إلى أخذ كل الثقافات في الاعتبار وإلى بناء علاقة بين الجنسيات المختلفة التي تشكل ثراء حياتنا فوق الأرض»، بحسب تعبير خان. وقدم خان عرضه في أبو ظبي، معترفاً بالجهود الجبارة التي تقيمها هذه الدولة لمصلحة تشجيع الفنون، ليس الكلاسيكية منها وحسب بل أيضاً التجارب الحديثة والجريئة المضمون التي تشكل تحدياً في ذاتها. وسيطوف العرض في دول عربية أخرى، أولها لبنان في نيسان (أبريل) المقبل، وذلك في انتظار العرض الفردي الذي يحضّره خان تحت عنوان «ديش» أي نصف كلمة بانغلاديش، والذي سيكون جاهزاً للعرض قبل نهاية العام الحالي.