صدرت أخيراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة جديدة من ديوان «تذكار الماضي» للشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، في 188 صفحة، تتضمّن «عرضاً وتحليلاً» للباحث شعبان محمد البنا، يسبق قصائد الديوان. يقول البنا في تقديمه الديوان: «أكد لي شاعر الإسكندرية الكبير عبدالعليم القباني نقلاً عن الأستاذ يوسف فهمي الجزايرلي الذي ولد في الإسكندرية فى أول تشرين الأول (أكتوبر)1881، أن أبو ماضي، يكبره بسبعة أعوام أو ثمانية، بينما قال السيد عبدالمتعال حلمي الذى ولد يوم 21 تموز (يوليو)1894، أن إيليا كان يكبره بعشرة أعوام على الأقل»، ويستنتج البنا من ذلك أن أبو ماضي ولد عام 1883 أو 1885. أما صلاح عبدالصبور فكتب فى الأعمال الكاملة المجلد العاشر (أقول لكم عن الشعراء)، في مقال له بعنوان «إيليا أبو ماضي... تبر كثير وتراب قليل: «ولد إيليا عام 1891 فى لبنان، ولكننا نستطيع الشك فى تاريخ ميلاده وبخاصة حين نجده يثبت فى ديوانه الأول «تذكار الماضي»، قصائد كتبت في أعوام 1902،1903،1905، فيها قدر كبير من المرانة والمقدرة اللغوية بحيث يستبعد أن يكون من نتاج صبي في السنوات الأولى من صباه، ويغلب الظن أنه ولد قبل هذا التاريخ ببضع سنوات». يذهب البنا إلى أن ديوان «تذكار الماضي»؛ «لم يعد له أثر»، زاعماً أن في حوزته النسخة الوحيدة المتبقية منه وقد حصل عليها من الشاعر عبدالعليم القباني، الذي تلقاها بدوره مِن شخص أهداها إليه إيليا نفسه. والواقع أن الديوان ليس مفقوداً، فصلاح عبدالصبور نقل مقدمته، في مقال له عنه تضمنه كتابه «نبض الفكر»، لاحظ فيه أن «تذكار الماضي» يذخر برثاء أقطاب الوطنية في مصر. والديوان نفسه موجود ضمن الأعمال الكاملة لإيليا أبو ماضي التي صدرت عن دار «العودة» في لبنان، وتتوافر منها نسخة إلكترونية على الشبكة العنكبوتية، تتصدرها مقدمتان، واحدة لسامي الدهان، وأخرى لزهير ميرزا. لم يناقش الباحث ردود فعل النقاد حول الديوان، والتي أشار إلى أنها دفعته إلى ترك مصر إلى الولاياتالمتحدة، ولم يذكر رأي طه حسين فيه، بل عرض لرأي عميد الأدب العربي في ديوان آخر هو «الجداول»، والذي تضمَّن أنه «لا يحفل بالموسيقى؛ لا في أوزانه ولا قوافيه ولا في ألفاظه». والواقع أن ما نقله الباحث لا يتعلق مطلقاً ب «تذكار الماضي»، حتى أنه في دفاعه عن ذلك العمل استشهد بقصيدة حلَّلها عروضياً في شكل ممتاز، ولكنها من ديوان «الخمائل». لا شك في أن صدور كتاب جديد ينفض فيه باحثٌ ترابَ الإهمال عن صاحب «تبر وتراب» ويعيد لنا «تذكار الماضي»، لهو أمرٌ جديرٌ بالفرح والسعادة، غير أن ادعاء أن الديوان كان مفقوداً ضائعاً؛ لا يقبله الواقع. كما أن مجمل البحوث النقدية التي قدّمها الباحث، لا علاقة لها بالديوان المذكور. ألم يكن حرياً ب «عاشق الفيلسوف والشاعر إيليا أبو ماضي»، كما يصف نفسه، أن يبذل جهداً أكثر صدقاً ووعياً ليليق باسم شاعر المهجر الكبير؟!