تقليدياً يعتبر «الحزب الديموقراطي التقدمي التونسي» من أحزاب المعارضة القليلة التي بقيت تنشط في تونس على رغم محاربة النظام لها. شارك الحزب بوقائع الثورة، إلا أن زعيمه أحمد الشابي قبل بأن يكون وزيراً في الحكومة التي شكّلها بن علي قبل فراره بيومين. هذا الأمر مثّل خروجاً مبكراً للحزب من جنة المعارضة التي أسقطت تلك الحكومة. هنا حوار مع زعيم الحزب أحمد الشابي. لماذا شاركتم بحكومة الغنوشي الثانية، إذ إن ذلك أفقدكم وفق حلفاء سابقين لكم رصيداً كنتم راكمتموه؟ - الحكومة السابقة قامت على عقد بين من بقي من النظام السابق وبين وجوه من المعارضة والمجتمع المدني للحفاظ على استمرارية الدولة وتحقيق الانتقال الى الديموقراطية بحسب جدول يستمر الى 6 أشهر وفق آليات، منها تغيير القوانين والدعوة الى انتخابات رئاسية، يتولى الرئيس بعدها الدعوة الى انتخابات عامة ومراجعة الدستور بما يلغي احتكار السلطة والتفريق بين السلطات، وتقييد السلطة المنتخبة. هذه الورقة بُدئ بتنفيذها. وبعد استقالة رئيس هذه الحكومة تغيرت الخطة، وتم التخلي عن الانتخابات الرئاسية والدعوة الى انتخاب مجلس تأسيسي، بغياب تأطير للرأي العام، ويخشى والحال هذه بأن تكون الجهة التي ستقرر مصير تونس مجهولة الهوية. لو نفذ ما كان متفق عليه قبل استقالة الغنوشي، لأفرز توازناً بين السلطتين المنبثقتين من الشعب، ولكان تسييس المجلس التأسيسي أكثر، ولكان هناك توازن. بالنسبة لي ولأصدقائي سنعمل على وجودنا بأكبر كتلة برلمانية ممكنة للحد من سلبيات ذلك، وفتح طريق الاستقرار لبلدنا. وتغيير الأجندة هو ما دفعني إلى الاستقالة. لماذا رفضتم المشاركة في مجلس حماية الثورة؟ - مجلس حماية الثورة قوة معارضة لا يمكنها أن تنطق باسم الثورة. في هذا المجلس اليوم من أدان الثورة. اليوم هناك حديث عن فراغ ناجم عن انهيار النظام السابق ومخاوف من أن يملأ الإسلاميون هذا الفراغ، فهل ترون ذلك؟ - أنا أعتقد أن هوية الشعب والدولة تشكلت عبر مخاض طويل عمره 150 سنة، عبر مصلحين كبار يتقدمهم الجنرال خير الدين باشا. وهو مؤسس المدرسة الصادقية. واستكملت هذه الهوية عبر حركة إصلاحية طويلة وسياسيين كبار. واستمرت عبر هذه العقود لتنتهي الى ما هي تونس عليه اليوم. هوية عربية إسلامية عصرية. كائن حي يقتات من محيط هو الفكر الكوني. الحركات الإسلامية التي يمكن أن تتطور في هذا الاتجاه لن يكون لها مكان واسع. والحركة الإسلامية التركية نموذج حل هذا الأمر. والأحزاب السياسية لم تكن على مستوى المهمة، ولهذا أعتقد أن العصبيات المناطقية والعشائرية والمال هي من سيملأ الفراغ. سنعمل ما نستطيع من السعي والترشيد. لنعود الى خلافكم مع مجلس قيادة الثورة، كيف تشرحونه؟ - عندما سقط رأس الحكم، وأوقفت بطانته المباشرة، وحينما طرح علينا ما تبقى منه المشاركة في الحكومة لم يكن لدينا خيار. فكان الأمر إما ترك الجيش يشكل حكومة بحسب التجربة المصرية، أو أن نقتسم السلطة مع بقية النظام من غير المتورطين بالفساد والقمع. الحفاظ على الدولة المركزية كان أمراً ضرورياً، فكان اضطرارنا للقبول هو الخيار الوحيد. بينما رأى حلفاؤنا عدم الدخول الى الحكومة، وحاولوا زعزعتها. ولكن هؤلاء لم يكن لديهم برنامج مختلف. كان لدينا في الحكومة برنامج المعارضة نفسه وأعطينا كل مطالبنا (عفو عام وفصل الحزب الحاكم عن الدولة، وحل وزارة الاتصال، والتراخيص والتراخيص لوسائل الإعلام) وهذا برنامج الثورة. واجهنا الكثير من الحاجات الاجتماعية الملحة. ولم يكن للمعارضة برنامج، إنما أجندات حزبية في أحضان اتحاد الشغل. وأسقطوا الحكومة لا لقوتهم بل لضعف الغنوشي. هؤلاء (الغنوشي وفريقه) اقتصاديون وليسوا سياسيين على الإطلاق. لم ينشأوا كسياسيين بل كاقتصاديين. هذا الضعف هو الذي ترك الحكومة تترك الميدان. فهنيئاً لقوى المعارضة. هل من مستقبل لبقايا التجمع الدستوري الديموقراطي؟ - في رأيي إن الحزب الدستوري جزء من التراث الوطني. هو قاد البلاد إلى الاستقلال وقاد الدولة، وبالتالي هو الآن معطى سوسيولوجي سياسي حقيقي. المطروح أن يفصل نهائياً عن الدولة ورموزه التي تورطت بجرائم يجب أن يتولاها قضاء عادل. وإن لم نمش في هذا الاتجاه فسنبقى في الماضي. هؤلاء هم تونسيون وهم الآن، إن أرادوا أن يكونوا فلهم ذلك. الطرف الوحيد الذي سيحكم هو الشعب. وأشير الى تجربة أوروبا الشرقية، فلم تحل الأحزاب، فقط أبعدت عن الدولة وتحولت الى أحزاب عادية. أين تعتقد أن للحزب الدستوري نفوذ؟ - الحزب الدستوري له الأرياف وثمة أحياء شعبية بيده. كان وراء السير خلفه مطامع ولكن كان يرتكز على الطبقة الوسطى. لو ترشح اليوم للانتخابات لنال حصة صغيرة. هل تشعر بأن المعارضة عزلتك؟ - أنا أعرف أن عزلة ضربت علينا من النخبة السياسية وهؤلاء كانوا أصدقاء، ولهم الحق في ذلك. ولكن عندما أمشي في الشارع الأمر مختلف وسنرى. قد أخسر وأتحمل نتائج الخسارة وقد أربح. ضميري الوطني هو أن أحافظ على الدولة. هل كنتم تتوقعون اشتعال الثورة على نحو ما جرى؟ - الجميع قال انه فوجئ بهرب الرئيس. هو يخاف والمهم انه هرب. وحال هروبه دون حمام دم والحمدلله. نحن لم نكن نتوقع أن تتحول حركة الاحتجاج الى ثورة. كتبت مقالات كثيرة عن هزات كبيرة، لكنني لم أتوقع أن هذه الهزة ستتحول الى ثورة. وعندما استمرت الثورة ل 4 أسابيع لم أكن أتوقع أن تؤدي الى هرب بن علي. كنت أخاف من تفكك الدولة، ولهذا أسرعنا الى الدعوة الى حكومة إنقاذ وطني لإنقاذ الدولة وإنهاء تسلط الحزب الحاكم. كيف عُرض عليكم المشاركة بحكومة الغنوشي الثانية؟ - التقيت الغنوشي في 13 كانون الثاني وكنت سلبياً معه. ولما جاء خطاب بن علي مساء كان سقف خطابه أحسن من عروض الغنوشي. اعتبرنا أن سقفه عالٍ. ورأينا انه في الطريق التوافقي والشفاف وتحت أنظار الشارع. وجرت الرياح بغير ما تشتهي السفن. مع من ستتحالفون في انتخابات المجلس التأسيسي؟ - ليس لنا حلفاء في المجلس التأسيسي. فقد كال لنا أصدقاؤنا من التهم ما يُصعب مهمة التحالف معهم. هل هناك حوار بينكم وبين حركة النهضة الإسلامية؟ - الحوار مع «النهضة» ضعيف وبارد ولا تبرره المسيرة الطويلة من العلاقات الودية. علاقتي معها هي الصداقة المستحيلة. دخلت السجن من أجلهم عام 1987. دافعت عن الإسلاميين حتى سميت نجيب الله. بعد التغيير، استعملوا سياسة الأرض المحروقة ونصحتهم بالهدوء. وقفت مع الإسلاميين ما استطعت، ولكن في انتخابات 2009 لم يدعموني، وعذرناهم لأن ذلك صعب ربما عليهم. وعند معركة التوريث والتجديد لم يخوضوا المعركة. بعد الثورة، وأثناءها كانوا أقل الناس مشاركة وأنا لا ألومهم على ذلك، وبعد ذلك لم يُقدموا مصلحة الوطن بل المصالح الحزبية، وبالتالي الأجندات الحزبية تحكمت بحركة النهضة. (غداً حلقة ثالثة)