«أزف إليكم بشرى إسقاط ولاية والد سمر، شكراً لكم من القلب، شكراً لكل حرف سُطر دفاعاً عنها»... بهذه الكلمات علق المستشار القانوني والوكيل الشرعي وليد أبو الخير، على صفحته في موقع تويتر، فرحاً ومبتهجاً بانتهاء قضية موكلته، وإيماناً منه بدور الإعلام، خصوصاً الإعلام الجديد في حسم القضية. وفي اتصال هاتفي مع «الحياة» أكد أبو الخير أن محكمة الاستئناف صادقت على حكم محكمة جدة العامة بثبوت عضل سمر وإسقاط ولاية والدها، ليكون عمها وليها الشرعي... وللتذكير فسمر التي عرفت ب «سجينة العقوق» كانت قد أمضت سبعة أشهر داخل السجن من دون حكم قضائي في محاولة لتغيير مسار قضية العضل إلى عقوق، ولاقت قضيتها تعاطفاً إعلامياً كبيراً، وخصصت لها صفحات على المواقع الاجتماعية ومدونات لمساندة حقها الشرعي في الزواج، والإفراج عنها. ومع قضية سمر تخلصت فتاة أخرى من قيود السجن والعضل، وتم تزويجها في الدمام، لكن لا تزال لجنة تكافل الأسرة في المنطقة الشرقية تنظر أربع قضايا عضل لفتيات من أعمار مختلفة، تبلغ أكبرهن 34 عاماً، («الحياة»، 13 - 3 - 2011)، وعن آخر أعداد قضايا العضل التي وصلت للإعلام، صرح رئيس لجنة التنمية الأسرية التابعة لإمارة المنطقة الشرقية بورود 200 قضية عضل للجنة خلال عام واحد، («الحياة»، 22 - 1 - 2011)، إضافة للكثير من القصص التي لا تزال تتناولها الصحف، منها سيدة في 36 من عمرها تقدمت بشكوى ورَدت المحكمة دعواها لتمردها على والدها، وأخرى لا ترى الحل في عضلها إلا بالهروب من أسرتها، لأن قضايا العضل تُحول لعقوق، وثالثة أحضرت كل الشهود ليثبتوا العضل، ولكن أيضاً رفضت دعوتها ولا تعرف إلى من تلجأ؟! («الجزيرة»11 - 2 - 2011). ربما استطاع التركيز الإعلامي على قضايا العضل من إخراج بعضها من مخابئها وظهورها بشكل أوسع، إلا أنها مازالت من الأمور المسكوت عنها، ولا توجد أرقام دقيقة تعكس المشكلة بشكل واقعي لأسباب كثيرة، أهمها الخوف من الخروج عن سلطة ولي الأمر المطلقة والمقدسة التي يفرضها المجتمع، وأيضاً الجهل بالحقوق الأساسية للمرأة، ومنها حقها في الزواج ممن تختار. وعلى رغم انتهاء قضية سمر خلال عام، وبشكل يعتبر سريعاً نسبياً، وبغض النظر عن الأسباب التي أسهمت في إنهاء معاناتها التي من ضمنها وجود قاضٍ شعر بها، ووقف على معاناتها، وحكم بحقها الشرعي في الزواج، إضافة إلى الدور الذي لعبه الإعلام في تسليط الضوء على قضيتها، إلا أن هناك الكثير من القضايا المعلقة التي بالتأكيد لا يمكن الوقوف على كل تفاصيلها وأسبابها. أشهرها قضية «طبيبة المدينة»، التي تعاني من عضل والدها لأكثر من عشرة أعوام ولم تحسم لمصلحتها، وبالتأكيد هناك المئات اللواتي لم يظهرن للإعلام، والأكثر منهن اللواتي يختبئن في البيوت راضيات بالظلم الذي يقع عليهن تحت ضغط طاعة الوالدين العمياء، حتى في الحقوق الشرعية والإنسانية، لماذا تعاني بناتنا من العضل في مجتمع يقدس مؤسسة الزواج؟ لماذا لا تستطيع المرأة البالغة العاقلة أن تمارس حقها الطبيعي في أن تتزوج بمن ترغب بغض النظر عن أي تفاصيل؟ لماذا لا تحدد سن معينة تبلغ فيها المرأة سن الرشد كنظيراتها المسلمات العربيات لتكون مسؤولة عن نفسها وعن اختياراتها؟ ولماذا يُعطى ولي الأمر سلطة مطلقة تعطيه حق التملك والبيع في بناته أو أخواته وغيرهن؟ في شباط (فبراير) الماضي صرحت هيئة حقوق الإنسان بأنها تتابع 30 قضية عضل، إضافة إلى قضايا العضل التي تظهر في الإعلام، وأنها تعمل على إدراجها ضمن قضايا الاتجار بالبشر التي قد تصل عقوبتها إلى 15 عاماً. ننتظر أن يتم ذلك، ويفرض التعامل به في المحاكم حتى يمكن أن نسدل الستار على قضايا العضل، ونحمي المرأة من واقع اجتماعي غير منصف يفرض عليها سلطة مفتوحة لولي الأمر. وحتى حينه ستبقى قضية سمر نموذجاً إيجابياً لكل امرأة معضولة لا تعرف حقها، أو تخاف من المحاولة لأخذه، لكنها لن تضمن عدم تكرر مآسٍ مشابهة، لأن كل المطالبات بسن قوانين تُجرم العاضل وتحفظ حقوق المعضولة مازالت شعارات لم تُكتب حتى على الورق ولم تسن بها قوانين لنطالب بتفعيلها! [email protected]