لا أحد يسلم من شر التهاب اللثة، فهو منتشر لدى كل الفئات العمرية بلا استثناء. وتفيد المعطيات بأن أكثر من نصف الناس يعانون من هذا المرض في سن العشرين، وأن أكثر من 70 في المئة من الكبار يعانون منه بعد سن ال35. ويكون التهاب اللثة في البداية بسيطاً، لا يعيره بعضهم اهتماماً، لكنه لا يلبث أن يتحول مرضاً مزمناً صامتاً كونه لا يسبب آلاماً تثير القلق في الغالبية العظمى من الحالات. وإذا أصبح التهاب اللثة مزمناً فإن الأنسجة المحيطة بالأسنان، كاللثة والعظم والأربطة الداعمة للأسنان، تتضعضع، ما يعرّض لسقوط الأسنان. وتعتبر طبقات الجير السبب الأساسي لحدوث التهاب اللثة، وتتألف هذه من تحالف يضم بقايا الطعام مع الجراثيم واللعاب، لتشكل كتلة واحدة لزجة صفراء تتكوم على الأسنان، خصوصاً في الجيوب المحيطة بها. منذ سنوات يعرف جمهور العلماء والأطباء أن هناك علاقة ما بين التهاب اللثة وأمراض القلب، وقد أفادت دراسات بأن معظم الأشخاص الذين وافتهم المنية بأمراض قلبية كانوا يعانون من التهابات حادة أو مزمنة في اللثة، إذ إن البكتيريا التي تختبئ في طبقات الجير يمكنها أن تنشط خارج حدود اللثة فتذهب من طريق الدم لتحط رحالها في شرايين القلب، فتتفاعل مع الدهون الموجودة على سطوحها الداخلية لتشكل الجلطة التي تعرض الشخص لاحتمال الإصابة بأزمة لقلبية. وسبق لباحثين من جامعة هلسنكي الفنلندية أن وجهوا تحذيراً إلى الأشخاص المصابين بالتهاب اللثة لأنه يزيد احتمال الإصابة بأمراض قلبية، وجاءت نتائج الدراسة التي قاموا بها لتؤكد أن الذين عانوا من الالتهاب المذكور كانوا أكثر عرضة لخطر المتلازمة الحادة للشريان التاجي الذي يرتبط بقلة تدفق الدم إلى العضلة القلبية. ولا تقف أضرار التهاب اللثة عند حدود القلب بل يمكن أن تصل شظاياه إلى المخ، ففي دراسة نشرت أخيراً على صفحات مجلة «الزهايمر للبحوث والعلاج» البريطانية، فإن التهاب اللثة يمكن أن يزيد احتمال الإصابة بمرض الزهايمر، ووفق قول الباحثين الذين أشرفوا على الدراسة بقيادة البروفسور شانغ- كيه شين، فإن التهاب اللثة المزمن يمكن أن يكون الشرارة التي تشعل مشكلات التهابية في أماكن أخرى من الجسم، من بينها المخ، مسببة تغيرات استحالية عصبية تقود إلى مرض الزهايمر. ويظهر أن هناك علاقة وثيقة بين التهاب اللثة وأمراض السرطان، ففي دراسة حديثة نشرت في مجلة «علم الأوبئة السرطانية والمؤشرات الحيوية» الأميركية، كشف الدكتور جين واكتوسكي ويندي من جامعة نيويورك عن وجود رابط بين التهاب اللثة وزيادة احتمال الإصابة بسرطان المرارة عند الرجل والمرأة، كما سجل الباحثون إصابات أعلى بسرطان الرئة وسرطان الجلد وسرطان الثدي. وسبق لعلماء من جامعة امبريال كوليدج اللندنية أن وجدوا رابطاً ما بين التهاب اللثة واحتمال الإصابة بسرطانات الكلية والبنكرياس والرئة والدم. ويشير الباحثون إلى أن قلة العناية بصحة الفم والعامل الوراثي يلعبان دوراً في اندلاع التهاب اللثة، لكن لا يجب أن ننسى أو نتناسى دور التدخين، فهو الآخر متورط لأنه، بكل بساطة، يساهم في زيادة كمية الجير المترسبة حول الأسنان. أيضاً، فإن الداء السكري بحد ذاته يمكن أن يشجع على حدوث التهاب اللثة، وهناك عوامل تشجع على إصابة اللثة عند السكريين، من أبرزها جفاف الفم، ونقص المناعة، وعدم ضبط مستوى السكر في الدم، والتدخين. ويعد التهاب اللثة لدى مرضى السكري من الأمراض الخطيرة لأنه يزيد المقاومة تجاه هرمون الأنسولين، ما يتسبب في حدوث خلل على مستوى سكر الدم بحيث تصعب السيطرة عليه، من هنا ضرورة علاج أمراض اللثة عند مرضى السكري بصرامة. وفي حال الإصابة بالتهاب اللثة فإن طبيب الأسنان يقوم بتقويم الوضع ووصف العلاج المناسب، إما بالتخلص من ترسبات الجير عن الأسنان وما حولها، وإما بإجراء عمل جراحي إذا دعت الضرورة. وقد يستدعي الأمر تناول المضادات الحيوية. نصل الآن إلى بيت القصيد وهو الوقاية من التهاب اللثة، وتتم هذه باتباع الإرشادات الآتية: - السيطرة على مستوى السكر في الدم وجعله ضمن الحدود الطبيعية. - العناية بنظافة الفم والأسنان بمعدل لا يقل عن مرتين يومياً. - الاستعانة بخيط الأسنان لإزالة طبقات الجير وبقايا الطعام المحشورة بين الأسنان. - زيارة طبيب الأسنان دورياً للاطمئنان إلى صحة الأسنان واللثة. - المبادرة الى استشارة طبيب الأسنان فور حدوث نزف في اللثة أو عند المعاناة من آلام فيها أو في الأسنان أو عند الشكوى من وجود احمرار أو تورم في اللثة.