120 كيلومتراً قطعناها من بيروت للوصول الى منطقة بشري (شمال لبنان صعوداً) لخوض غمار تجربة سياحية جديدة عبر طائرة شراعية (مظلة طائرة)، وهي نوع من الرياضات الحديثة النادرة الوجود في منطقتنا العربية. وقد بدأت تشهد إقبالاً من اللبنانيين والسياح العرب والأجانب، نظراً الى فرادتها... وطبعاً الى روعة المشاهد الجوية فوق جبال لبنان وتلاله خصوصاً فوق غابات الأرز رمز لبنان الخالد. ناد وحيد في لبنان والعالم العربي يديره رجا سعادة الذي استقدم هذه الرياضة السياحية البيئية الجديدة من جبال الألب الفرنسية الى لبنان، واتخذ من منطقة بشري مركزاً لناديه ومدرسته التي تعلّم الراغبين «قيادة» هذه الطائرات الفريدة وتمنحهم شهادة دولية يمكن استخدامها في مختلف دول العالم. «القائد» المدرّب يدعوني لاعتمار الطاسة على الرأس ووضع القفازات وانتعال الحذاء القاسي. وهو يتكلم وكأنه «قائد القوات الجوية» حين يوجه الأوامر الى طيّاريه، فالكلام هنا ممنوع: نفّذ ثم اعترض! ها هم «يربطونني» بعد أن اختاروا طائرة عريضة الشراع تتسع لي وللمدرب الذي أسرّ في أذني: «لا تخف يا صاحبي، ما عليك سوى اتباع تعليماتي في السماء... الجميع بانتظارك يا صاح»! الطائرة تنتفخ بالهواء ويرتفع الشراع فوقنا. «المهم أن نركض الآن ونحافظ على الطائرة وتوازنها فوقنا»، قال لي مدربي وهو ينظر الى مقياس الهواء على حافة «المدرج» موضحاً أننا سنطير عكس اتجاه الهواء. وها هو يدعوني للركض بسرعة توازي سرعته. الأنفاس تتصاعد والقلب يدق باطراد خصوصاً بعدما علمت أن الإقلاع والهبوط هما من أصعب المراحل. عشرون خطوة على الأرض، ويشد المدرّب الحبال فترتفع طائرتنا رويداً رويداً ونصبح في وضع (take off). وها نحن نحلّق فوق مقر النادي ونعلو بسرعة متوازنة الى ارتفاع 300 متر، وهنا تأخذ الطائرة بالانسياب وتتهادى بهدوء. نحن الآن فوق الغيوم التي تحفّ بجبل بشري وما يسمى بمرتفعي «ضهر القضيب» و «فم الميزاب»، وهي من المناطق المرتفعة جداً في جبال لبنان. ولا يمكنني وصف روائع الطبيعة واللوحات والتضاريس التي ترصدها العين، من هضاب وقمم متجاورة غمرت رؤوس بعضها الثلوج فشكلت لوحة تجمع ما بين الأخضر والأبيض والبنيّ الفاتح. وبدت غابة «أرز الرب» آية في الجمال والروعة. ومن بعيد لاحت لنا «القرنة السوداء» أعلى قمة جبلية في لبنان بارتفاع أكثر من 3800 متر عن سطح البحر. وعلى رغم وجود الغيوم والضباب لمحنا مدينة طرابلس الساحلية. وعلى رغم الثياب الخاصة التي نلبسها، بدأت أشعر بالبرد فيما الطيار يدير دفة طائرته. وهنا نلتقي بطائرة حمراء تابعة للنادي فتتهادى الطائرتان على مسافة مدروسة، لأن أكبر مشكلة يمكن أن تعترض طيرانهما هي احتمال تشابكهما وتصادمها في الهواء. فمنذ سنوات قضى أربعة أشخاص في جبال «البيرينيه» في فرنسا بسبب تصادم جوي بين طائرتين. لكن هذا الأمر لم يحدث أبداً في لبنان، حتى أنه خلال 20 عاماً من انطلاق النادي لم يسجل حصول أي حادث. بعد إتمام الرحلة بسلام، التقينا رئيس النادي المدرب رجا سعاده الذي تحدث عن كيفية حيازته الترخيص فقال: «احتاج الأمر الى جهود «وعذاب» حيث أن الوزارات المعنية بالترخيص متعددة وهي وزارات الدفاع والداخلية للأمور الأمنية وطبعاً قيادة الجيش. والشروط هنا تحدد الطيران فوق مناطق معينة حيث يسمح لنا فقط بالتحليق في الأرز صيفاً، مزيارة، قناة باكيش، أفقا، فاريا، إضافة الى حريصا. لكننا منعنا من التحليق في هذه المنطقة مؤخراً بسبب مرور طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش اللبناني. ويأتي بعد ذلك دور وزارة النقل التي لها علاقة أيضاً بالترخيص ومن ثم وزارة التربية والشباب والرياضة وصولاً الى وزارة السياحة، والقرار النهائي يحتاج الى مجلس الوزراء للسماح بإنشاء النادي والاسم الرسمي للطائرة بحسب الترخيص هو مظلة المنحدرات». وأضاف يقول: «حملت الفكرة الأساسية للمشروع من فرنسا حيث كنت أمارس هذه الرياضة في جبال الألب، وأملك محلاً هناك لبيع هذه المظلات. ثم انتقلت الى لبنان وأسست النادي والمدرسة. ويمكن لأي سائح أو زائر يود التحليق معنا أن يقصد محلنا في عجلتون أو مقرّ النادي في الأرز ليحظى بجولة جوية رائعة». وتابع قائلاً: «الإقبال على ممارسة هذه الرياضة ينحو منحى المغامرة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، فضلاً عن كونها رحلة سياحية جديدة من نوعها يقبل عليها اللبنانيون والأشقاء العرب بكلّ شغف وحماسة». وعن مخاطر هذه الرياضة قال سعاده إن سبل الأمان فيها عديدة. فهذه الطائرات من صنع ألمانياوفرنسا، وبعضها من صنع كوريا والصين. ويقوم المصنعون بتجربتها ولكل طائرة شهادة ممهورة عليها تشهد أنها قطعت الاختبار والتجربة. وأضاف: «وهنالك أنواع منها ولدينا طائرات للمبتدئين وأخرى للمحترفين وللمسافات البعيدة. والجدير ذكره أن لكل وزن طائرة خاصة به». أما عدد الذين تعلموا في النادي فيزيد على 1000 شخص، وعدد المحترفين في لبنان أقل من 100 شخص فقط. وكلفة التدريب «تشمل الرخصة والإقامة في الأرز بما فيها المنامة. وثمن المظلة يتراوح بين 1600 – 2500 دولار.