أخذت أشكال التعبير لدى القارئ طرقاً متعددة، ما بين مقروء تجسده ثقافة الكلمة بأساليبها المختلفة، وتحمل رسائل تعبيريّة تصل إلى القارئ، وبين المنظور الذي تمثله ثقافة الصورة التي أسهمت ثورة التقنية في انتشارها في شكل كبير. والعلاقة بين ثقافة الكلمة والصورة أخذت أشكالاً وأنماطاً عدة، أثرت بشكل أو آخر في المتلقي، الذي بدوره يتعدد ويتنوع. ويلح أدباء وأديبات تحدثوا إلى «الحياة» على تعقد هذه العلاقة وبروز النص فيها بوصفه صاحب التأثير الأكبر، في حين أن المتلقي وذائقته يعلبان دوراً جوهرياً في تلقي الكلمة والصورة معاً، وتمييز أين تكون الغلبة؟ ولمن؟ ويقول الناقد حسن مشهور إن علينا أن نفرق بين المثقف الحقيقي والآخر، بغض النظر عن نوعية التوصيف الذي سنسقطه عليه؛ «مدعي ثقافة، مثقف سطحي، دخيل على الثقافة» فالمثقف الحقيقي وهنا أريد به القارئ الافتراضي، أو كما يسميه البعض «المتلقي» هو من يركز جل اهتمامه على النص. بمعنى أن المحتوى المعرفي للمادة الهدف هو الذي يجذبه منذ البدء، نتيجة تعمق الحس الثقافي في ذهنيته الفاعلة ورقي الذائقة الفنية الأدبية لديه»، مشيراً إلى أن النص الإبداعي سواء أكان شعراً أم سرداً «هو العنصر الفاعل في هذه اللحظية التقابلية بين النص والمتلقي، وصاحب الحضور المسيطر، مادام لدينا مثقف حقيقي. ثم من خلال مخرجات عباب النص يصدر هذا المتلقي حكمه على جودة النص أو عدمها؛ كون جودة النص ستدفعه إلى الاستمرار في المطالعة حتى السطر الأخير، في حين أن غيابها، أي جماليات وجودة النص، قد تفرض عليه التوقف حالاً عن التعاطي مع النص»، مستدركاً أن علينا أن نعي جيداً «أن هذه السيطرة للنص لا تتسم في وجوديتها بالسيادة المطلقة. فمعرفتنا بحقيقة نسبية الوجود في غالبية الأمور الحياتية تفرض علينا ألا نطلق أي حكم على علاته. بمعنى أن للصورة كذلك حضور إلى حد ما، كذلك في حالة «المثقف الحقيقي»، وهنا يمثل حضوراً من نوع خاص يمكن توصيفه بالحضور المعزز». وذكر مشهور أن هذا الحضور «يعزز انتقائية وإقبال المتلقي الموسوم بالثقافة الحقيقية على المادة المعروضة أمامه، وتحديداً لو كانت هذه الصورة لأديب تم ترميزه، فنحن مثلاً لو وجدنا قصة قصيرة مرفقاً بها صورة للأديب الكبير يوسف إدريس أو قصيدة مرفقاً بها صورة للشاعر التجديدي الكبير صلاح عبدالصبور فيقيني بأن هذا الأمر سيعزز إقبالنا على قراءة النص نتاج تلك الثقة بالنتاجات الأدبية الخاصة بذلك الأديب والتي تواضعت في عقلنا نتاج سنوات من القراءات الجادة لأعماله الإبداعية. أما لو تناولنا الموضوع من جانب الحضور الأولي للصورة في عقلية المتلقي لتشكل محفزاً له على الإقبال على النص من عدمه؛ فيقيني بأننا في هذه الحال لا نتعامل مع متلق نستطيع أن نسمه بكونه يمثل القارئ المثقف على الإطلاق؛ بل نحن بصدد التعامل مع شخصية بصرية في المقام الأول، ولا علاقة لها بالثقافة الحقيقية في عمومها». في حين ترى الأكاديمية والشاعرة الدكتورة إنصاف بخاري أن اقتران الصورة بالنص تآزر فنون، بما يعني إبداعاً في إبداع، وتضيف «عن نفسي يجذبني الحرف وتغريني الكلمات وتحلق بي الصورة الموحية في النص نفسه، ثم تكمل دائرة الإبداع الصورة الفوتوغرافية المرافقة، لكن هناك فرقاً بين النص المصاحب للصورة الفوتوغرافية، والنص الآخر المولد لصورة مرسومة من الخيال كانت أم ملتقطة فوتوغرافياً؛ لتبرز جماليات النص وتفاصيله بحسب خيال المتلقي، فيكون اجتماعهما»، لافتة إلى أن الصورة هنا «وليدة النص، وهي انبثاق صورة كبرى نشأت في الخيال، وهنا قد يعدد الفن صور النص الواحد، فينتج حديقة إبداع، أما في النص المصاحب للصورة الفوتوغرافية فالعين حتماً ستلتقط الصورة، ثم يكون قبول المتلقي للنص بمقدار الانبهار بقدرة الحرف على تأجيج العاطفة تجاه الصورة، وهنا يتفاضل الإبداع بحسب الرسائل الموجهة أو المعاني الموحية، وكذلك تكون النتيجة مصفوفة إبداعاً، إلا أن هنا للأسف قد يكبو النص أحياناً، فتكون الصورة الفوتوغرافية أكثر تعبيراً وأداء وإيحاء ونطقاً واستنطاقاً من النص، فيكون النص حينها مشوهاً، إلا أنه في الأخير تبقى الصورة سيدة الموقف. كما أن هناك النص هو سيد الموقف، ويكون التفاضل في الناتج منهما؛ إما إضافة وإبداعاً وإما زبداً، فتظل الصورة منفردة بوهجها في الأولى والنص متسلطناً بهالة السمو والتفرد في الأخرى». بدورها تقول الكاتبة سما يوسف إن النص الإبداعي الاحترافي «يجذب القارئ المثقف قبل الصورة، ولو أن الصورة تكميلية، ومن هنا علينا أن نحدد سن القارئ ودرجة ثقافته، وأن العلاقة بين الكلمة والصورة متبادلة، كما أن الصورة في بداياتها كانت مكملة للنص، ومع مرور الزمن أصبحت تتسيّد كتباً بأكملها». وتضيف سما «الفنان الأميركي جيف ماك بصفته متخصصاً في تأليف الكتب المصورة للأطفال، وهو رسام متعاون مع عدد من دور النشر الأميركية المهتمة بطباعة الكتب الموجهة إلى المراحل العمرية المبكرة، قال إن أسلوبه في العمل على كتب الكوميكس يعتمد على وضع تصور عام للقصة، ثم التركيز على الجانب البصري الذي يجذب انتباه الطفل أكثر من الشروح النصية المطولة والتفصيلية، واستناداً إلى معيار ذهني وعاطفي مهم، وهو أن الطفل يبدأ في استثمار آليات التخيل لديه من خلال تفسير الصورة لغوياً، وهو معيار تعليمي وتثقيفي مهم للمراحل العمرية المبكرة، بحيث يتم جذب الطفل إلى عالم القصص والروايات في شكل مشوق وتدريجي، وبعيداً، عن الصفحات المزدحمة بالكلمات، والمنفّرة لعملية التواصل الذهني والبصري مع مسار القصة أو الحكاية». من جانبه، يقول الإعلامي سعود الثبيتي إن الصورة الرمزية «هي تعبر للناظر والقارئ عن فحوى الموضوع، وكثيرون يكتفون بقراءة العنوان وبالصورة لو كانت معبرة». ويرى «الثبيتي» أن القارئ تجذبه العناوين القوية، ثم الصورة المعبرة. ويضيف الشاعر الصهيب العاصمي أن النّص المميّز هو عامل الجذب الأوّل للمتلقي «لأن الكاتب يصنع إنتاجه بواسطة غالبية مراكز الحس، مثل اليد في الكتابة والنظر بالعين للمطالعة واللسان في القراءة والأذن متى كانت الكتابة منطوقة، وأيضاً هو يستدعي الخيال، ولذلك فالمتلقي أمام منظومة متكاملة من الفائدة والمتعة، بعكس الصورة التي تخاطب حاسة البصر فقط وتأثيرات الخيال، وأتّفق أحياناً مع من يذهبون إلى أنّ الصورة أبلغ من الكلام». ويرى الشاعر والمترجم حسن الصلهبي أن جاذبية النص «تعتمد على نوعية المتلقي، فبعضهم يركز على الصورة، وآخرون يكونون مهتمين أكثر بالحرف ودلالاته، والأمر يعود للتركيبة النفسية».