في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي كان الشباب الهاوي للرياضة في السعودية لا يتفق على شيء كما يتفق على المنتخب الوطني. لا أحد ينسى العبارة الشهيرة «أوه.. يا منتخبنا» التي رافقت «الصقور الخضر» كما يحلو للسعوديين تسمية لاعبيهم في كؤوس العالم وبطولات القارة الآسيوية. حالياً، وبعد مرور عقد على الألفية الثانية، تجد الشباب الرياضي في السعودية متفرقاً، وقد أعمته العصبية، فالقاعدة الجديدة لدى كثيرين منهم «إن لم يتم اختيار لاعبي فريقنا، فلن نشجع المنتخب»، مفضلين أنديتهم المختلفة على منتخب بلادهم. لا ينكر خالد السبيعي أن التعصب الرياضي مستشر بين الشباب في الأعوام الأخيرة، ويقول: «أصبح السمة البارزة التي لا نستطيع أن نسيطر عليها في ظل التأجيج المتصاعد من الصحف الرياضية». ويرى أن الوضع القائم يتطلب تدخل قيادات الرياضة لوضع حد لهذا التطرف الرياضي «الذي لا يقره عاقل»، مشيراً إلى أن الانتماء للنادي يحتل المرتبة الأولى. ويضيف: «هناك من يتذمر في حال تسجيل أحد اللاعبين من الأندية المنافسة هدفاً لمصلحة المنتخب خشية سحب البساط من تحت مهاجم فريقه المفضل، واحتلال موقعه». وفوجئ السبيعي بأن أحد أبنائه يقر بأنه لا يتحمس مع المنتخب كما يفعل مع ناديه المفضل، فأساتذته وزملاؤه رسخوا لديه شعوراً بأن ظلماً وقع على ناديه. وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة لدى الجيل الصاعد، اعتبر االسبيعي أن مسؤولي الأندية يؤججون التعصب لدى الجماهير من خلال تصريحاتهم النارية والاتهامات المتبادلة في ما بينهم، ما يؤدى إلى ولادة مشجعين متعصبين لا ينصفون سوى فريقهم ولاعبيهم المفضلين. ويعترف محمد السعدون بأنه من أصحاب الولاء لناديه أكثر من المنتخب في الأعوام الماضية، لشعوره بأن هناك تجاهلاً من إدارة المنتخب وعدم اختيار لاعبي ناديه والاعتماد على فرق معينة، وهو ما زاد حنقه على لجان المنتخب التي تحابي فرقاً معينة بحسب زعمه. ويستدرك بالقول: «هذا لا يعني أن ولائي ضعيف للوطن، لكن هناك جزئيات معينة وخاصة بالرياضة يتحتم علينا الوقوف فيها في صف النادي الذي نشجعه». ويعزو السعدون انخفاض اهتمام الشباب الرياضي بالمنتخب السعودي في العقد الأخير إلى تدني مستواه، «بات الاهتمام منصباً على الأندية أملاً بتعويض الهزائم المتتالية للمنتخب، بوجود لاعبين لا يستحقون حمل الشعار». وفي خطوة تدق ناقوس الخطر وتحتاج إلى إعادة تقويم للفكر الرياضي في السعودية، أقر مبارك العمران وهو من المهتمين بالشأن الرياضي أنه «ابتهج» لخروج المنتخب السعودي مبكراً من البطولة الآسيوية الأخيرة، مبرراً ذلك «لعدم ضم اللاعبين المفضلين من فريقه». وأضاف: «من الجيد أن يخرج المنتخب في هذا الوقت والظروف، حتى تتم تغيرات جذرية على مستوى الإدارة واللجان، وأن يتم الاثبات للرأي العام أن سياسة المنتخب تحتاج الى غربلة كبيرة». بدوره، أوضح الخبير النفسي الدكتور محمد رضا أن شعار الروح الرياضية كذبة أطلت على الملايين وأصبحت تردد من دون التقيد بها، مشيراً الى أن ظاهرة الانتماء الى الفريق دون المنتخب نابعة من الشحن الإعلامي الرياضي المتطرف الذي أوجد التعصب لدى الشباب الذين يمثلون 60 في المئة من السكان، ما جعلهم يعيشون مرحلة «الاستلاب» وتقليد قدواتهم من الكتاب الرياضيين وما يتم تداوله في المنتديات الإلكترونية التي تزخر بمجموعة من مجهولي الهوية الذين يزرعون أفكاراً خاطئة، مشدداً على انه شاهد صوراً وضعها أعضاء في المواقع الإلكترونية يطالبون بمقاطعة المنتخب. وعن الحلول الناجعة للقضاء على هذه الظاهرة، قال: «لا بد من أن تكون هناك حملة وطنية في المدارس والجامعات تستهدف الشريحة الكبيرة وهي الشباب التي تتأثر بالمؤثرات الخارجية من دون تمحيص». وأضاف: «يجب أن تقام ندوات في جميع الأندية يشارك فيها مسؤولون في إدارة المنتخب وخبراء، حتى لا يتم رسم صورة نمطية تحكي عن تجاهل من قبل القيادات الرياضية، لمعرفة مطالب الجماهير الرياضية».