ذكية ولافتة فكرة معرض «نحن في المسرح بخير طمّنونا عنكم» للمصور الشاب حسام مشيمش، التي توثّق للأعمال المسرحية اللبنانية في السنتين الماضيتين. ثمانية وثلاثون صورة فيها لعبة ذكية بين الضوء والظلّ والحركة المسرحية. والمتابع للنشاطات الثقافية في لبنان، لا بدّ أنه يعرف مشيمش العشريني الذي أدخله المسرح إلى عالم التصوير، وليس العكس. وهو لا يترك نشاطاً في بيروت والمدن اللبنانية الكبرى، إلا ويحرص على الوجود فيه، علّه يقتنص لقطة ما تُغني «مشروعه الشخصي». وما هو هذا المشروع؟ يقول مشيمش: «منذ عام 2003 أعمل على أرشفة المسرح اللبناني من خلال الصور الفوتوغرافية، وهو مشروع غير موجود في لبنان، حتى لدى المؤسسات الثقافية التي تعنى بالصورة. وإن وجدت صور، فهي تكون التقطت بالصدفة أو لغرض نشرها في وسيلة إعلامية. لكن ليس هناك مؤسسة أو مشروع يضمّ صوراً لغالبية المسرحيات اللبنانية». ثمانية وثلاثون صورة توثّق لأعمال ثلاثة أجيال ساهمت في بناء الحركة المسرحية، تعرض في مسرح «دوار الشمس» في منطقة الطيونة (جنوببيروت)، ضمن فعاليات مهرجان «50 يوماً، 50 سنة». هي ليست صور خبرية أو صحافية يلتقطها مصوّر موظف في مجلة أو جريدة، على عجل، لتنشر كيفما كان في اليوم التالي. هي صور مرّن مشيمش الذي درس الإعلام المرئي والمسموع، عينه وعقله وحسّه الفني عليها سنوات طوالاً. هذا الشاب الذي يعمل مصوّراً حرّاً، رفض أن يحوّل موهبته إلى «وظيفة تحكمها مزاجية مدير، ودوام رسمي يقتل الموهبة». دخل إلى المسرح للمرّة الأولى عام 2001 وهو طالب في الثامنة عشرة من عمره ليشاهد فيلماً لأحد أقربائه. هناك التقى بالممثل والمخرج اللبناني روجيه عساف الذي كان يدير «مسرح بيروت». أخبره عن عشقه للعدسة والتصوير والإضاءة. فرحّب به هذا الفنان وزوجته الممثلة والناشطة الثقافية حنان الحاج علي، وشجعاه بعدما فتحا أمامه أبواب المسرح ليصور نشاطاتهم ساعة يشاء. الصدفة رمته في حضن الخشبة التي صار أسيرها وعلّمته أسرار مهنة لطالما حلم أن يحترفها. «كان أول عمل لي أتقاضى مقابله أموالاً هو تصوير فعاليات «مهرجان شمس للشباب» الذي نظمه عساف والحاج علي وغيرهما من الفنانين. ويمكنني أن أقول إن هذا المهرجان وضعني على الدرجة الأولى من السلّم»، وفق مشيمش. ويقول مشيمش انه لن يخرج أبداً من ميدان التصوير. صار اسمه معروفاً في الوسط الثقافي اللبناني، لا بل صار له أسلوب مميز في التقاط الصورة من منظار العارف بفنون الخشبة وتفاصيلها كونه «يعيش في المسارح» كما يقول عنه البعض في بيروت. في المعرض الثالث لمشيمش «نحن في المسرح بخير طمنونا عنكم»، تتنوّع الصور بين البورتريه لممثلين ومشاهد حرّة من مسرحيات مثل «الصفحة سبعة» لفادي أبي سمرة وعصام أبوخالد، «غسيل» لسوسن أبو خالد، «فيترين» للمخرج نعمة نعمة وتمثيل عايدة صبرا وجوليا قصار، «بنفسج» للمخرج أبو خالد وتمثيل برناديت حديب وسعيد سرحال، «بيروت مدينة المرايا» لروجيه عساف، و»عالم بلا صوت» لمجموعة من الشباب الصمّ والبكم تابعوا ورش عمل مع عصام أبو خالد، وغير ذلك. صور أرادها مشيمش معبّرة من خلال تركيزها على التفاصيل الحيّة في وجه ممثل ما أو ممثلة، وعلى لوحة مشهدية تختزل مسرحية ما. صور برع مشيمش في التقاطها مثبتاً قدرته على التعامل بحرفية مع مصدر الضوء في المسرح والذي غالباً ما يأتي خافتاً. والصور لا تؤرشف فقط للأعمال المسرحية وهو مشروع مشيمش الخاص الذي ينوي تطويره وإصدار كتاب يتضمن أعماله، بل هي لقطات لها رموز ودلالات تنقل إلينا خبايا المسرح أو حالات العاملين فيه، سواء كانت تملؤها المرارة أم الفرح، كما يقول.