بعد تجاهل طويل لألحان الموسيقار بليغ حمدي في فرق الموسيقى العربية، التفتت دار الأوبرا المصرية إلى الموسيقي الراحل وقررت الاحتفال بذكرى ميلاده في حفلة اقتصرت على ألحانه فقط، أحيتها فرقة عبد الحليم نويرة بقيادة المايسترو صلاح غباشي. وبليغ حمدي (1931-1993) من مواليد حي شبرا في القاهرة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ويُعد من أهم رموز التلحين في العالم العربي. الحفلة التي أقيمت في «المسرح الكبير» لدار الأوبرا في القاهرة، وأعيدت في الإسكندرية ويتضمن برنامجها 14 فقرة غنائية وموسيقية، تُعد نقطة في بحر أعمال الملحن الغزير الإنتاج والمتفرد في أسلوبه الذي تناول كل ألوان الغناء العاطفي والوطني والشعبي والديني والأغنية الفردية والمسرح الغنائي والموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات، وغنى أعماله أبرز النجوم مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد وشادية ووردة ومحمد رشدي وميادة الحناوي وهاني شاكر وعلي الحجار وغيرهم، كما قدم بعض النجوم الجدد مثل عفاف راضي. ولعل العلامة الفارقة في مسيرته نجاحه في إيصال الموسيقى والإيقاعات الفولكلورية المصرية بطريقة تتناسب مع أصوات المغنين الكبار، كما اشتهر بسهولة ألحانه وعذوبتها وقدرته على التحكم في أدواته الموسيقية التي يجيدها عن موهبة وعلم. ولئن كان صعباً تقديم ألحان بليغ حمدي في حفلة واحدة، فقد نجح المايسترو صلاح غباشي في اختيار فقرات الحفلة لتوضح إلى حد ما التنوع في ألحان بليغ الراحل من حيث هوياتها والمطربون الذين غنّوها. البرنامج كالعادة كان في فاصلين بدأ كل منهما بالموسيقى البحتة، وقُدّمت في الفاصل الأول أغنية «حاول تفتكرني» بعزف منفرد على الكمان لنجم الفرقة محمد نصر. وكان الفاصل الثاني مع العازف حازم سليم الذي عزف أغنية «تخونوه»، علماً أن هذا اللحن شكّل الانطلاقة في مشوار شهرة بليغ حمدي حين غناها عبد الحليم في فيلم «الوسادة الخالية». وكان أداء اللحن في الحفلة نقطة بداية تعرف جمهور الأوبرا على هذا العازف المجتهد الذي قدم اللحن بتفاصيله وأحلّ الكمان محلّ الصوت البشري بفضل الجودة في الأداء والإحساس في التناول. في الأغنيات، استثمر غباشي الكورال الرجالي والنسائي في توزيع جميل للحن، في أغنية «ادخلوها سالمين» كلمات إبراهيم موسى، و «يا أم الصابرين» كلمات عبد الرحيم منصور. والأغنيتان لشادية، تنتميان إلى الأغاني الوطنية، لكن بليغ حمدي أسبغ عليهما أسلوباً عاطفياً يمثل تجديداً في التناول من حيث الكلمات واللحن. أما في الأغاني الفردية فكانت البداية مع الغناء الديني، فغنى المنشد والمطرب إبراهيم راشد لحن «مولاي» الذي ألفه حمدي ضمن مجموعة من الألحان خصيصاً للنقشبندي. عقب ذلك جاء دور الأغاني العاطفية، وهنا ظهر التنوع طبقاً للأصوات، فكانت هناك أغنيتان لنجاة هما «يا حبيبي الحب عذاب» كلمات مأمون الشناوي وغنتها سماح عباس بشكل جيد، كما أنشدت نهاد فتحي أغنية «الطير المسافر» التي تتميز بتوزيع موسيقي جيد وتتضمن في بدايتها عزفاً على كل من الناي والقانون، وغنت أيضاً «حسادك علموك» لفايزة أحمد. وقدّم هاني عامر أغنية عبد الحليم «الهوى هوايا» بأداء متين. وكان من أهم فقرات الحفلة تتر مسلسل «بوابة الحلواني» من كلمات سيد حجاب. وهذا العمل من غناء علي الحجار، وأداه في دار الأوبرا وليد حيدر ببراعة.