دعم الظهور الأخير للمطرب مدحت صالح على المسرح الكبير لدار الأوبرا المصرية، مكانة خاصة اكتسبها المطرب على مدار مشواره الفني الطويل، الذي لم يقصره على تقديم مجموعة من الأغاني تصنف ضمن الأفضل، ومنها «كوكب تاني» التي نال بها جائزة الأسطوانة البلاتينية، وإنما لعب دوراً موازياً كمنقب في التراث الغنائي العربي ليعيد استكشاف درر غنائية عادت بفضل جهوده وآخرين إلى الواجهة. وكما كان المطرب المصري أول من لفت الانتباه قبل سنوات إلى أغنية محمد قنديل «ثلاث سلامات»، وأول من قدم أغاني محرم فؤاد ومحمد فوزي في وصلات خاصة، فاجأ صالح جمهوره بافتتاح حفلته الأخيرة بأغنية «لأ يا حلو لأ مالكش حق» التي أذيعت للمرة الأولى ضمن فيلم «أول غرام» (إنتاج 1956، بطولة سامية جمال وعبد السلام النابلسي) من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل وتوزيع علي إسماعيل للمطرب اللبناني محمد مرعي الذي رغم اعتباره أحد أكبر فناني لبنان تعد تلك المرة الأولى التي تردد له فيها أغنية داخل الأوبرا المصرية. ونالت الأغنية التي أعيد توزيع موسيقاها إعجاب الجمهور لاسيما في ظل تبادل انسجامي للغناء بين المطرب والكورال النسائي. وتابع صالح جهوده بتقديم أغنية للمطربة المصرية عفاف راضي «ابعد يا حب» والتي تعد عملاً فنياً ثرياً وفّق المطرب في اختياره، فهي من كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز الذي تحتفي الأوساط الفنية بذكراه تلك الأيام، كما أنها من ألحان منير مراد الأخيرة التي لحنها قبل وفاته مباشرة وبها يظهر أسلوبه المتفرد والذي يجمع بين بساطة الجملة اللحنية والانتقال بين المقامات واستخدام ايقاعات سهلة وسريعة. ولم تغب السيدة أم كلثوم عن الأمسية الغنائية الشاعرية فشدا المطرب ببعض كوبليهات أغانيها. افتتح المايسترو صلاح غباشي الحفلة بفاصل غنائي لفرقة عبدالحليم نويرة التي تضم عدداً من الأصوات المميزة، انطلقت بعزف منفرد على الكمان للعازف حازم سليم لأغنية «الحب جميل» ألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ثم صدح مطربو الفرقة بمجموعة من الأغاني «تعب الهوى قلبي»، «بأمر الحب»، «حبك نار» و «الحلوة». احتل البيانو مساحة خاصة خلال الحفلة، فبعزف أغنية «سهر الليالي» لعازف البيانو المميز عمرو سليم انطلقت الوصلة الثانية التي أحياها صالح، كما حل البيانو بديلاً للأوركسترا الموسيقي في أغاني ذات التوزيع المعاصر التي لم يؤد منها المطرب سوى عدد قليل كان من أبرزها «كوكب تاني» و«زي ماهي حبها». بدأ مدحت صالح مشواره الفني قبل نحو ثلاثين عاماً، شارك خلالها في التلفزيون والسينما والمسرح ومارس الغناء الدرامي والتمثيل والاستعراض، وقد بدأ الغناء في الطفولة في البرنامج الإذاعي الشهير «أبلة فضيلة» ومن ثم بعد تخرجه في جامعة الأزهر تفرغ للغناء وفاز بعدد من الجوائز، أما بالنسبة لظهوره على مسرح دار الأوبرا فكان من خلال مهرجان الموسيقى العربية السنوي ثم بعد ذلك بدأت تستعين به الدار في إقامة حفلات خاصة وفي مناسبات مختلفة وتلقى حفلاته إقبالاً جماهيرياً كبيراً.