لم يأتِ مهرجان القاهرة للموسيقى العربية في دورته العشرين بجديد، أللهم سوى الكثير من الضجيج. فأهم سمات هذه الدورة هو الصوت العالي للمشاحنات وتبادل الاتهامات بين فناني وإدارة المهرجان متمثلةً في شخص رئيسته رتيبة الحفني. ومن أبرز المستبعدين المطرب المخضرم محمد ثروت الذي صبّ غضبه على الحفني، وقال إن حفلاته في العام الماضي كانت كاملة العدد على رغم دعوته للمشاركة بديلاً لأحد النجوم المعتذرين ومن دون أن تسبق حفلته أي دعاية. كما عاب المطرب إيمان البحر درويش على المهرجان تكرار الأسماء نفسها كل عام تقريباً، موضحاً أنه لم يشارك سوى مرة واحدة في المهرجان «الذي يبدو أن له قواعد وحسابات لا نعرفها». أما الملحن حلمي بكر، الذي أعلن انسحابه من اللجنة العليا للمهرجان لأنه «يدار بطريقة غير لائقة»، فيقال في كواليس المهرجان إن سبب انسحابه يعود إلى خلافه الحاد مع الإعلامي وجدي الحكيم، ووقوف الحفني بجانب الأخير. يضاف إلى ذلك أن مطربي الأوبرا، مثل مي فاروق وريهام عبدالحكيم، أبدوا انزعاجهم من وضعهم بدلاء في حال اعتذار بعض النجوم، مع العلم أن المهرجان يزعم تشجيع مطربي الأوبرا كما قالوا. وموضوع الاستبدال هو ما اختبرته ريهام، بعدما حالت إجراءات قانونية دون دخول الفنانة الجزائرية فلّة إلى مصر ورجوعها من مطار القاهرة، على رغم تدخل مسؤولي المهرجان. تخبّط التخبط والاستهانة بقيمة مهرجان غنائي عربي على أرض مصر بلغا مداهما، حين ألغيت حفلة المطربة نادية مصطفى ليلة الإثنين الماضي على مسرح أوبرا الإسكندرية، بسبب إضراب عدد من العاملين في التجهيزات الفنية. والغريب أن مسؤولي المسرح كانوا على علم بنيّة هؤلاء العاملين من قبل، ما اعتبر «فضيحة» بكل المقاييس تضاف إلى الكلام الكثير الذي يقال عن اختيار المكرِّمين أسماء لا تملك تاريخاً يستحق هذه الحفاوة، مثل المؤلف الغنائي أيمن بهجت قمر، والملحن عز الدين حسني، والإعلامية مشيرة كامل، في مقابل سحب التكريم من المطرب عبدالله الرويشد لاعتذاره عن عدم المشاركة، إضافة إلى عازف الترومبيت رؤوف الجنايني والمايسترو سليم سحاب ومخرجة المهرجان جيهان مرسي. وتعد حفلة المطربة غادة رجب، بمشاركة عازف الكلارينت التركي حسنو، من أنجح حفلات المهرجان كتجربة جديدة وثرية، إذ قدّما من خلالها أغنية «صوتي» (ألحان التركي سلامة شاهين وكلمات بهاء الدين محمد). وقدّم هذا اللحن في تركيا بعنوان «وحشتيني» وحصلت رجب على إذن من ملحنها، وقالت: «أفتش دوماً عن الجديد والأصيل في وقت واحد، وفكرت في الغناء باللغة التركية التي أجيدها، واتصلت بالفنان حسنو ودعوته على نفقتي الخاصة، وأجرينا بروفات على تلك الأغنية، إضافة إلى «حبيتك بالصيف» للسيدة فيروز». كما قدّم عازف الكمان اللبناني جهاد عقل حفلة نالت استحسان النقّاد، بمشاركة عازفين في فرقة النيل للآلات الشعبية الذين جاراهم في العزف مستخدماً تقنية يصبح معها الكمان آلة ربابة مصرية. لكن المهرجان لم يقدّم أي صوت أو فنان يشارك للمرة الأولى، بذريعة مغالاة النجوم في أجورهم أو انشغال البعض في أعمال أخرى، كما قيل عن علي الحجار واستغراقه في العمل في أوبريت من إنتاج قناة «الجزيرة». وقُدّمت في حفلة الافتتاح «ملحمة غنائية» بعنوان «أمة العرب» (كلمات الشاعر عبدالرحمن الأبنودي وألحان الموسيقار جمال سعادة)، بمشاركة ريهام عبدالحكيم والتونسي محمد الجبالي. وأدت التونسية سومة أغنية «تونس الخضراء»، وغنّت نادية مصطفى لحناً سبق تقديمه في حفلات رسمية رعاها النظام السابق تحت عنوان «أدعوا لمصر»، وغنّى الفنان الليبي يحيى لكحاشي «تسلمي يا ثورة بنغازي» وظهر مرتدياً الزي الشعبي الليبي تصحبه آلة المقرونة التي تشبه المزمار البلدي في مصر، فلاقى تصفيقاً وترحيباً. ثم قدّم اليمني أحمد فتحي أغنية من ألحانه بعنوان «يا وطني الثائر»، والمطربة السورية وعد البحري غنّت «بحبك يا شام» ألحان محمد ضياء الدين الذي وظف في العمل أصوات الكورال في شكل أثرى الجو الموسيقي وحلّق به. أخيراً، غنى المشاركون أغنيتين من تاريخ الغناء الوطني هما «صوت الجماهير»، و «أحلف بسماها»، بمصاحبة كورال الموسيقى العربية بقيادة عبدالحميد عبدالغفار، وفرقة باليه أوبرا القاهرة، مع استخدام شاشات على جانبي المسرح عرضت صوراً من ثورات «الربيع العربي» تخللتها قصائد للشاعر جمال بخيت. مسابقة الغناء للأطفال شارك في المهرجان 22 فناناً من تسع دول عربية، كما عادت فرق أكاديمية الفنون للمشاركة بعد فترة انقطاع طويلة، إضافة إلى عودة المطربة أنغام التي عبّرت عن سعادتها بكون حفلتها كاملة العدد وكانت اشترطت أن تصاحبها فرقتها الخاصة. وتدور مسابقة هذا العام حول الغناء للأطفال، مع إقامة حفلة للمسابقة في اختتام المهرجان. كما تقام جلسات المؤتمر العلمي الذي يناقش أربعة محاور هي التكنولوجيا والموسيقى العربية، واقع الأغنية المعاصرة، مشاكل التعليم الموسيقي ودور الإعلام في نشر الثقافة الموسيقية. يستمر المهرجان حتى 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، ويتضمن حوالى 22 حفلة على مسارح دار الأوبرا، وأوبرا دمنهوروالإسكندرية. لا شك في أن مصر في حاجة إلى مهرجان يضارع أكبر المهرجانات في العالم، ولا يقتصر على بضعة أسماء. وبالطبع يحتاج المهرجان إلى إدارة لا تتخاصم مع أحد ولا تجامل أحداً، حتى يكون منصة إطلاق أصوات وتجارب واعدة فيما يتهافت النجوم على المشاركة، وليس العكس.