تعانق الكمان بعشق وحنان وتغازله وقد تبوح له بما لا تقول للآخرين. فراشة تونسية أربكت أضواء المسرح الأثري في قرطاج، وأشعّ الضوء من أوتار كمانها ليبعث الحياة في أرجاء المكان ويوزّع وروداً وجمالاً. الفتاة الأنيقة التي لا تشبه غيرها، عازفة الكمان والمغنّية بلغات عدّة والمنطلقة مثل سيل من الأغنيات، صدح صوتها في مسرح قرطاج، وصافحت جمهوراً كبيراً ملأ مدارج المسرح الروماني. هي ياسمين عزيّز، الجميلة التونسية التي صُنّفت من بين أفضل تسعة عازفين في العالم في المسابقة العالمية للعازفين الشبان على آلة الكمان التي أقيمت في سيدني الأسترالية. بعفوية كبيرة وحسّ طفولي ولكنة في لغتها العربية كانت الفراشة «مذهلة»، وأمكنها أن تجمع تركيز الجميع في لحظة واحدة حولها. عازفة الكمان العالمية التي صافحت جمهور قرطاج لم تكن تتصوّر أن يأتي كل هذا الحشد لمشاهدتها، ولم تخفِ دهشتها من الإقبال الجماهيري الكبير على عرضها الذي سمّته «fabulous» (مذهل) مؤكدة أنّها لم تصدق إلا حين صعدت إلى المسرح فتوجهت إلى الجمهور الكبير قائلة: «حضوركم بهذه الكثافة يدحض الآراء التي شككت في قدرتي على استقطاب الجمهور. حضوركم ثمرة تعبي في طريق طويلة عبرتها حتى وصلت إلى هذا المسرح الكبير». هي ليست نجمة غناء وليست متخرجة من أحد برامج صناعة النجوم، لكنها نِتاج سنوات من العمل والتعب والمثابرة والعطاء الغزير. واليوم بعد نجاحها على واحد من أهم المسارح في العالم يمكن أن ننتظر بداية جديدة وانطلاقة أخرى. وبدا جليّاً أن الجمهور أعطى ياسمين شحنات كبيرة من الثقة بالنفس والسعي لتقديم أفضل ما لديها، وهي التي قالت وكررت: «أحب الجمهور التونسي أكثر من أي جمهور في العالم». «fabulous» عنوان العرض هو أيضاً عنوان آخر ألبوم لها، أصدرته قبل أيام، وصورت منه أغنية مع المخرج التونسي زياد اليتيم الذي نجح في أن يعبّر عن شخصيتها الموسيقية المميزة وعن طاقتها وامتلائها بالحياة، وقدمت الكليب/الأغنية في نهاية عرضها الذي افتتحته بتحية إلى قرطاج، ثم قدمت عددا من المقطوعات الموسيقية المعروفة مثل «جربة» للفنان التونسي الراحل رضا القلعي الذي كان مدرسة في العزف على الكمان، و «سمراء يا سمراء» و «تحت الياسمينة في الليل» للفنان الهادي الجويني بتوزيع جديد حافظت فيه على روح هذه المقطوعات والأغاني مشتغلة عليها بإدخال مفردات موسيقية تنهل من الجاز والبلوز معتمدة في ذلك على عدد من العازفين المتمكنين. في عرض ياسمين حضر أيضاً فيفالدي الذي كرّمته العازفة البارعة، كما عزفت من ألبومها «مذهل» وبعض الأغاني والمقطوعات من ألبومها السابق «انصهار»، فضلاً عن بعض الأغاني من نمط موسيقى البوب بصوتها ومن تلحينها، كما فاجأت الجمهور باستقبال الفنانة أمل الشريف التي تتماهى معها في اشتغالها على موسيقى الجاز وأدّت أغنية من كلمات ياسمين عزيّز وألحانها. خلال عرضها «مذهل» تمهّرت ياسمين على كمانها، وكان واضحاً أنّ علاقة متينة تربط العازفة بهذه الآلة، مع إحساس غير عادي وانطلاقة عجيبة نحو عوالم قد لا يفقه كنهها إلاّ من غاص في موسيقات العالم ونهل من معين الموسيقى الروحية وعاش المفردة الموسيقية روحاً وجسداً. على مستوى جمالية المسرح، قدمت الإضاءة بشكل ذكي ومُخاتِل أحياناً في محاولة لإضفاء حركية أكبر على العرض وبثّ الحياة في المقطوعات الموسيقية والأغاني، فضلاً عن وجود شاشة خلفية تقدم صوراً معبّرة. وشارك في الجزء الثاني من العرض عدد من الراقصين. رافقت ياسمين في تقديم العرض فرقة موسيقية تضم عدداً من العازفين على آلات غربية. وتسافر عازفة الكمان قريباً إلى النمسا ومنها إلى كوريا الجنوبية لتقديم عدد من العروض.