ليس خيالاً علميّاً ولا فانتازيا عن آتي الأيام. الأرجح أنّه صار أمراً وشيكاً. ويكفي وصل الخيط بين مجموعة من الأنباء التي تواترت أخيراً عن علاقة الروبوت بالموسيقى، لمعرفة أنّ الأمور نضجت كي يترك البشر زمام الموسيقى إلى الآلات الذكيّة التي صنعوها بأنفسهم، وزوّدوها ما يكفل لها التعامل مع الموسيقى وإبداعاتها. نعم. نضجت الأمور أو صارت قاب قوسين أو أدنى من ذلك، خصوصاً مع وصول الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الإبداع الفني في الموسيقى، وهي الخطوة التي كانت ناقصة بعدما استطاع الروبوت إتقان العزف على آلاتها. وكذلك اجتاز عتبة إتقان الغناء في 2015، مع روبوت - أنثى باسم «شيشييرا» التي أرفقت صوتها بالتعبير عن مجموعة من المشاعر بحركات الوجه واليدين. وفي 21 آب (أغسطس) 2017، صنع الذكاء الاصطناعي ألبومه الأول الذي حمل عنواناً كثيف الدلالة («آي أم أي آي» I Am AI، وترجمته «أنا الذكاء الاصطناعي»). والأرجح أنها أكثر من مصادفة أن تحمل الأغنية الأولى عنواناً معناه «التحرّر» Break Free. هل هي إشارة إلى تحرّر الموسيقى من الشرط الإنساني أم تحرّر الذكاء الاصطناعي من قيد العجز عن الإبداع؟ أبعد من ذلك، أوضحت صاحبة ألبوم «آي أم أي آي» المغنيّة الأميركية تارين ساذرن، أنها استخدمت برنامجاً للذكاء الاصطناعي صنعته شركة «آمبر ميوزيك» التي أُسّست عام 2014 بتآزر جهود مجموعة من تقنيّي الكومبيوتر واختصاصيي الموسيقى. وكذلك بيّنت ساذرن أنها لم تفعل سوى إعطاء البرنامج كلمات الأغاني وإشارات إلى تفضيلاتها في الموسيقى، ثم تولّى الذكاء الاصطناعي التأليف والتوزيع وابتكار القفلات وغيرها. وليس خلواً من الدلالة أيضاً أن ساذرن تملك علاقة عميقة مع الذكاء الاصطناعي لشبكة الإنترنت. وبعدما تألّقت في برنامج «أميركان أيدول» عام 2004، ركّزت نشاطها على «يوتيوب» الذي ضمن لها شعبيّة واسعة. وكذلك أشارت إلى أنها مرّت بتجربة مشابهة عندما حاولت تلحين أغانيها على منصة «كاراج باند» التي صنعتها شركة «آبل»، لكن تجربتها في ألبوم «آي أم أي آي» كانت على مستوى نوعي أعلى. وأوضح المدير التنفيذي ل «آمبر» درو سيلفرشتاين أنّ الذكاء الاصطناعي توصّل قبل سنوات قليلة إلى مستوى التلحين، لكن إنتاجاته خضعت دوماً للتعديل وإعادة الصياغة بأيد بشرية. وبيّن أن البرنامج الذي طوّرته الشركة ليخدم متطلّبات المغنية ساذرن، تولّى التوزيع والتلحين وكتابة النوتة ووضع القفلات والوصلات، ما جعله بديلاً كفيّاً للبشر، فلم يلزم الأمر تدخّل أي آدمي في ما ابتكر وصنع وألّف! وهناك برامج شبيهة أيضاً، لكنها بعيدة بمسافة بعيدة مما صنعته «آمبر ميوزيك»، على غرار «آفيا» و «ديب باخ»، ويختص الأول في الموسيقى الكلاسيكيّة والثاني بموسيقى دينيّة للموسيقار يوهان سباستيان باخ. وباستطاعة القارئ الحصول على نكهة التلحين المؤتمت عبر استخدام منصات مختصّة ك «سونغيفاي زيس.كوم» Songifythis.com. ويملك الروبوت قائمة طويلة في إتقان العزف على الآلات. وفي سياق «المعرض الدولي للروبوت - 2017» في بكين، ظهر الروبوت - عازف البيانو «تيوترونيكا» في عزف لمقطوعة من تأليف الموسيقار أماديوس موتسارت. وفي حزيران (يونيو) 2017، عبّر «تيوترونيكا» عن تقدّم ذكائه الاصطناعي عندما خاض منافسة ضارية في العزف على البيانو مع العازف الإيطالي الشهير روبرتو بروسيدا. وتألّق ذلك الروبوت فتفوّق على نظرائه السابقين الذين اكتفوا منذ سنوات بمجرد التقليد في عزف أنواع محدّدة من موسيقى البيانو، مع الإشارة إلى أن «تيوترونيكا» تجاوز البشر في سرعة العزف على البيانو في 2011. وفي 2007، ظهر روبوت ياباني يتقن العزف على الكمان. وبعد سنة من ذلك، تمكن روبوت من قيادة أوركسترا موسيقية كاملة (فيلهارمونية)، ما يؤكّد أن ما يحتاج إليه الروبوت للقفز بديلاً للبشر صار مكتملاً. هل يطول الأمر قبل أن يحدث ذلك فعليّاً في مهرجانات وحفلات قد لا يكون البشر فيها سوى مجرد جمهور ل «فناني» الذكاء الاصطناعي؟