طوقت القوات النظامية السورية وحلفاؤها أمس، «تنظيم داعش» في شكل كامل في البادية السورية وسط البلاد تمهيداً للبدء بالمعركة من أجل طرده منها، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وتمكنت القوات النظامية بذلك من قطع خطوط إمداد التنظيم. وستقوم بطرد عناصر «داعش» من هذه المناطق قبل أن تنطلق المعركة المصيرية في دير الزور (شرق)، التي تشكل القسم الأخير من هذه المنطقة الصحراوية وآخر محافظة تخضع لسيطرة التنظيم. وتخوض القوات النظامية بدعم روسي منذ أيار (مايو) الماضي حملة عسكرية واسعة للسيطرة على البادية التي تمتد على مساحة 90 ألف كلم مربع وتربط محافظات سورية عدة وسط البلاد بالحدود العراقية والأردنية. وتعتبر موسكو أن استعادة السيطرة على محافظة دير الزور الغنية بالآبار النفطية والحدودية مع العراق تعني نهاية التنظيم في سورية. ويسيطر التنظيم على غالبية محافظة دير الزور، باستثناء جزء صغير من المدينة التي تحمل الاسم ذاته والمحاصر منذ عام 2015. وذكر المرصد «أن قوات النظام تمكنت من تحقيق تقدم استراتيجي... لتفرض حصارها الأكبر على داعش» في البادية وبخاصة في محافظة حمص. وتمكنت القوات النظامية من السيطرة على جبل ضاحك وتمكنت القوات العاملة في شمال القطاع وجنوبه من الالتقاء. كما تتواصل المعارك في منطقة السخنة، بقوات النظام في شمالها، وهي أبرز المدن السكنية في عمق البادية والتي تمكنت القوات النظامية من استعادة السيطرة عليها في 14 آب (أغسطس)، وفق «المرصد». ويرى خبراء أن القوات النظامية ستطرد التنظيم في شكل كامل من وسط الصحراء، قبل أن تشن معركة دير الزور وإلا فإن هذه القوات ستكون مكشوفة. وأشار الخبير في الجغرافيا والشؤون السورية فابريس بالانش إلى أنه في حال تمكنت القوات النظامية من طرد التنظيم في شكل كامل من هذا القطاع فإنها ستكون قد سيطرت على أكثر من نصف مساحة الأراضي السورية. وبموازاة معارك البادية، يخوض الجيش السوري عملية عسكرية ضد التنظيم المتطرف في ريف الرقة الجنوبي، وهي عملية منفصلة عن حملة «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة أميركيا لطرد «داعش» من مدينة الرقة، معقلهم الأبرز في سورية. وتهدف القوات النظامية من خلال عملياتها هذه إلى استعادة محافظة دير الزور من «داعش» عبر ثلاثة محاور وهي جنوب محافظة الرقة، والبادية جنوباً، فضلاً عن المنطقة الحدودية من الجهة الجنوبية الغربية. وتمكنت القوات النظامية في أواخر حزيران (يونيو) من دخول محافظة دير الزور في المنطقة الحدودية مع العراق في أوائل آب من جهة الرقة، إلا أنها لم تتوغل حتى الآن سوى كيلومترات قليلة في عمق المحافظة. وأفاد «المرصد» بسماع دوي انفجار عنيف في بلدة السقيلبية بريف حماة الغربي. ورجحت مصادر متقاطعة أنه ناجم عن انفجار في مستودع أسلحة وذخيرة في المنطقة. وتواصلت الاشتباكات في شكل عنيف بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية من جهة، وعناصر «تنظيم داعش» من جهة أخرى، على محاور في ريف سلمية، داخل الدائرة المحاصرة، إثر هجوم معاكس بدأته قوات النظام في المنطقة، بدعم من المسلحين الموالين لها، تمكنت خلاله من تحقيق تقدم في نقطتين على الأقل كان «داعش» يسيطر عليهما. وتترافق الاشتباكات العنيفة بين الطرفين، مع قصف مكثف من قبل قوات النظام على محاور القتال، وغارات مكثفة من الطائرات الحربية على مناطق سيطرة التنظيم. ودار قتال عنيف بين قوات النظام وعناصر «داعش» على محاور قرب منطقتي السعن والشيخ هلال على طريق أثريا – سلمية، إثر هجوم نفذه التنظيم ليل أمس ترافق مع تفجيره لعربات مفخخة واستهدافه لمناطق سيطرة النظام بعشرات القذائف. وعلم «المرصد السوري» أن اشتباكات تدور بوتيرة عنيفة، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى، في محور الحاضر بريف حلب الجنوبي، ترافق مع قصف متبادل بين الطرفين. كما تدور اشتباكات متقطعة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمعارضة في محور البحوث غرب حلب، ترافق مع قصف قوات النظام على مناطق الاشتباك. وقتلت إمرأة وسقط عدد من الجرحى، إثر انفجار لغم أرضي بها في قرية حساجك بريف حلب الشمالي. ونفذت الطائرات الحربية غارات عدة على مناطق في قرية البغيلية بريف دير الزور الغربي ومنطقة حويجة صكر بأطراف مدينة دير الزور. «داعش» يسابق الزمن لتهريب غنائمه عبر شبكة سرية للتحويلات المالية أفادت صحيفة «فايننشال تايمز» بأن تنظيم «داعش» الذي يفقد أراضيه في سورية والعراق بسرعة، زاد من الإنتاج النفطي وفرض عملته بقسوة وبسعر صرف غير عادل، في مساع لجمع الغنائم وتهريبها قبل معركة طرده من دير الزور، شرق سورية خلال الأسابيع المقبلة. وأوضحت الصحيفة، في تقرير بعنوان «داعش وجد طريقاً لتهريب غنائم الحرب»، أنه «من أولويات التنظيم الآن نقل هذه الأموال خارج المناطق التي يسيطر عليها». وأفادت بأن سباق «داعش» مع الزمن لإخراج أمواله من سورية والعراق أصبح مبعث القلق الرئيسي للحكومات الغربية، التي تخشى من أن تحول هذه المبالغ إلى أماكن أخرى، ولاسيما إلى أوروبا لتمويل هجمات إرهابية جديدة. وذكرت أن مقابلات أجريت مع سكان داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم، أو هربوا منها مؤخراً، تؤكد أن الإرهابيين يبذلون جهوداً حثيثة لإنتاج النفط، ولفرض عملتهم على السكان، في محاولة لجمع أكبر كميات ممكنة من الدولارات، ومن ثم إخراجها من المنطقة عبر شبكة سرية للتحويلات المالية والاستثمارات. وتابعت «فايننشال تايمز» أن التنظيم يسيطر على حقول النفط التي تستهدف من جانب طيران التحالف إلا أنه استطاع إبقاء تدفق النفط فيها وتخزينه، معتمداً على خبرة العمال المحليين. وفي المناطق السورية الشرقية الغنية بالنفط، يتم يومياً رصد قوافل ناقلات نفط، إذ تحمل كل شاحنة ما يصل إلى 220 برميلاً من النفط الخام. وتضم هذه القوافل أحياناً ما يصل إلى 60 شاحنة. وسبق لمحللين غربيين أن استنتجوا أن «داعش» فقد السيطرة على 90 في المئة من آبار النفط التي كانت في أيديه سابقاً، ما أدى إلى تقليص عوائد بيع النفط ب88 في المئة. لكن تجار وعمال نفط تحدثت معهم الصحيفة، يعتقدون أن التنظيم لا يزال يجني مليون دولار يومياً من مبيعات النفط. وجاء في التقرير أن «داعش» يستخدم نظام «الحوالة» لتحويل الأموال في المنطقة ولشراء المستلزمات الضرورية مثل الحديد والأسمدة وقطع الكمبيوتر، ولفت إلى أن التنظيم يستخدم نظام «الحوالة» الآن لمساعدته على نقل الأموال إلى مناطق أكثر أمناً خارج الأراضي التي يسيطر عليها حالياً. واستثمر «داعش» وفق التقرير أموال عائدات النفط، كما اشترى مكاتب لتصريف العملات وفنادق ومؤسسات لإنتاج الأدوية ومستشفيات خاصة في العراق. واطلعت الصحيفة على تقرير لمجلس الأمن الدولي، جاء فيه أن شركات تابعة ل «داعش» قد تحاول استغلال تمويل عمليات إعادة الإعمار في العراق وسورية. وقال التقرير إن «داعش» يسيطر على أكثر حقلين إنتاجاً للنفط في سورية هما العمر والتنك، مضيفاً أن الحقلين ينتجان نحو 25 ألف برميل نفط يومياً وفق التجار والعاملين فيهما. كما بدأ «داعش» بفرض عملته على السكان بشرق سورية بصرامة أكبر. ووفق الصحيفة، سبق للسكان أن تجاهلوا النقود الداعشية الذهبية والفضية النحاسية، ولم يروها إلا نادراً. لكن الوضع تغير قبل 6 أشهر عندما بدأ «داعش» بفرض تداولها. ويقول صرافون في تلك المناطق إنهم ملزمون ببيع الليرات السورية والدولارات لمكاتب «داعش» الاقتصادية أسبوعياً مقابل الدنانير «الداعشية»، التي يزيد سعرها عن سعر الذهب المستخدم لسكه. ولا يُسمح لأحد بشراء الدولارات إلا التجار المكلفين بشراء التموين من خارج رقعة سيطرة «داعش» وللتجار الذين يشترون النفط «الداعشي». ويرى رجال أعمال محليون أن «داعش» قد باع أكثر من مئة ألف دينار، ما سمح له بالحصول على عائدات بمئات آلاف الدولارات.